جديدة، إذ باتت هذه اللعبة أشد تعقيدا وتركيبا، وذلك بسبب ما تتطلبه عملية النهب الاستعماري من تركيبات معقدة ومتناقضة في كثير من الأحيان. وقد جند الاستعمار لعملية (الهدم والبناء. كل ما هو في ترسانته من الوسائل المادية والمعنوية، فكانت القوة الوحشية ركنا من أركانها المادية وكانت الصليبية أساسا من أسسها المعنوية، وكان الهدف الثابت هو تغيير بنية وتكوين المجتمعات التي تم إخضاعها بالقوة والقهر، من أجل بناء المجتمع الجديد الذي يمكن له التكيف مع ظروف الاستعمار.
هكذا بدأت فرنسا عندما دفعت جحافل الغزو لاجتياح الجزائر، فقد عملت على تدمير القيادات القبلية والزعامات الدينية والرئاسات المحلية، وخلقت حالة من الفراغ، قامت بعدها بتكوين قيادات عملية وزعامات وهمية تعمل تحت إشراف الاستعماريين وتنفذ مخططاتهم. واستمرت بعد ذلك في عملية التدمير، فحاولت القضاء على الأصالة الذاتية لشعب الجزائر وذلك بفصله عن جذوره التاريخية من جهة، وبالقضاء على قواعد صموده من جهة أخرى فكانت الحرب الصليبية للقضاء على الإسلام، ولما كانت هناك صعوبة كبرى في هدم بناء تكامل عبر مئات السنين، فقد كانت الوسيلة المرحلية هي الاكتفاء بصرف المسلمين عن دينهم وحرمانهم من الاتصال بعروبتهم، مما يؤدي بالتالي إلى إضعاف الإسلام والعروبة تدريجيا حتى تموت وحدها، نتيجة حرمانها من موارد غذائها الأساسية (المسجد والمدرسة).