ولم يكن هذا الأسلوب الدعائي ليخدع الجزائريين أو يضللهم .. فقد كانوا يعرفون بأن معظم ما يطلق عليه اسم (منجزات) إنما هو لخدمة أهداف الاستعمار الاستيطاني، وتطوير عملية النهب الاستعماري للموارد والثروات. وأن المواطن الجزائري لم يفد من هذه (المنجزات) شيئا، وإنما على النقيض أيضا، فقد جاءت (المنجزات) لتضيف إلى بؤسه بؤسا، وإلى شقائه مزيدا من الشقاء. وقد ترك ذلك آثاره السيئة التي لم تقتصر أضرارها على جيل جزائري واحد.
ومما لا ريب فيه هو أن الجزائر ذات وضع خاص كبلاد مستعمرة ... فالحركة العمرانية بقيت امتيازا - حكرا - للأقلية الأوروبية، ولمصلحتها. والمدارس، إنما أقيمت للمستوطنين بالدرجة الأولى، ولخدمة أهداف استعمارية محددة وواضحة. كما أن طرق المواصلات إنما أقيمت لتحقيق هدفين مزدوجين أولهما: تسهيل التحركات العسكرية، وثانيها الوصول إلى مواطن الثروة السطحية والباطنية (المناجم). كما أن المستشفيات والخدمات الصحية لم تتجاوز فائدتها المستوطنيين إلا في حدود ضيقة. وبقي سواد الشعب الجزائري المسلم نهبا للأمية والفقر المدقع، والأمراض الفتاكة.
ولقد كان هذا التناقض الفاضح بين حياة أقلية مترفة وأكثرية ساحقة محرومة هو الصورة الغريبة والمثيرة لما كانت عليه الجزائر طوال فترة الاستعمار. وإن مستوى المواطنين الجزائريين المسلمين في حياتهم ودخلهم هو الذي يجسد بصورة حقيقية وواقعية الصورة البشعة لقذارة الاستعمار. ولقد تطور الاقصاد الاستعماري تطورا سريعا ومذهلا، ولكن هذا التطور إنما كان على حساب الملكية الوطنية الجزائرية