والتجارة البحرية ناشطة ومزدهرة .. . فكانت تمون بالحبوب والمنتجات الزراعية الأخرى كثيرا من بلدان الغرب الأوروبي؛ وتموين حملة نابليون دليل على ما كان يتوافر للجزائر من الثروة الزراعية؛ كما كانت تصدر أدوات فنية ذات شهرة واسعة. وبعد مرور قرن على استعمار هذه البلاد، لم تتوقف الجزائر عن التقدم في المضمار الاقتصادي فحسب، بل إنها شهدت تقهقرا وتراجعا في مستوى حياة معظم المواطين الجزائريين، بالمقارنة مع مستوى حياة أسلافهم. هذا بينما كان العالم يتطور في هذا القرن، ويتقدم بقفزات واسعة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية.
وقد ظهر في الواقع أن ازدهار المواطن الافرنسي، وارتفاع مستوى دخله، إنما هو ازدهار اصطناعي على حساب المواطن الخاضع للاستعمار. والأمر مماثل بالنسبة لفرنسا - كمجموع - والتي طورت تقدمها على حساب الشعوب التي أخضعتها لنير عبوديتها. ولم تكن مثل هذه المقارنة بعيدة عن أنظار المواطن الجزائري الذي كان يعيش حياة البؤس والشقاء فوق أرضه الخيرة المعطاء, وزاد الأمر سوءا بمحاولات السلطات الاستعمارية تغطية نهبها واستنزافها بالحاق سبب التخلف بأنظمة الجزائر قبل الاستعمار (النظام العثماني -الاسلامي). ولقد اعتاد القائمون على حكم الجزائر أن يبرزوا - في كل مناسبة - ما حققه الاستعمار الافرسني من إنجازات في البلاد، معددين الطرق الكثيرة التي أنشأوها، والخطوط الحديدية التي نظموها، والمراكز الكهربائية التي شيدوها، وما أقاموه من سدود ومستشفيات ومدارس وكنائس (منارات الحضارة الغربية بزعمهم) والمدن الحديثة ذات العمارات المتعددة الطوابق.