رجال الدرك برصاصة واحدة في جبهته، عندما كان هذا يطارده في وضح النهار. وكذلك أيضا (مسعود مختار) و (غرين بلقاسم) الذي ستتحدث عنه البرقية المرسلة من قبل السلطة الحاكمة، بما يلي:(لقد قتل واحد من كبار قادة المتمردين)، غير أن البرقية تجاهلت العدد الكبير الذين صرعهم غرين بلقاسم - من جند العدو - قبل أن ينال شرف إحدى الحسنيين. ثم هناك (أحمد الجدعا) الذي اشترك في الثورة منذ بدايتها، ولما يتجاوز الرابعة عشرة من عمره (١) وتبقى الظاهرة المثيرة في تجمع هؤلاء المجاهدين، انصهار كافة الفوارق الناجمة عن المنشأ، لقد وقفوا صفا واحدا - كالبنيان المرصوص-فبات من العسير التمييز بين الجبلي وابن المدينة، أو من عرف بؤس الحياة وفقرها، ومن عاش رغدها وبحبوحتها. وها هو الجبلي (ابن - اوولدالغولة) بهامته الضخمة ولونه البرونزي وملامحه القاسية التي تنطق بها قسمات وجهه، وتعبر عنها شفتاه وهما تقذفان الكلمات بطريقته البدائية (الموصوفة بالوحشية) فيدخل بها الرعب إلى قلوب أعدائه. لقد كان يمتلك قوة جبارة طالما كانت له عونا لإنقاد عدد كبير من رفاقه الجرحى أثناء اشتباكاتهم الدموية الرهيبة، غير أن جهله (أميته) كانت تضعه باستمرار في مؤخرة إخوانه، وكان شأنه في ذلك شأن الكثيرين من رفاق طفولته الذين ما عرفوا في الحياة سوى حراثة الأرض الصخرية وزراعة الأرض المجدبة تقريبا، والتي كانت الشيء الوحيد الذي تركه لهم الاستعمار الاستطاني. وقد خضع هؤلاء البؤساء المحرومون، الى حين، لأساليب الدعاية الاستعمارية الافرنسية، حتى
(١) وهو الوحيد الذي بقي على قيد الحياة من أفراد مجموعته، وانصرف بعد انتصار الثورة للعمل في الإشراف على مزرعة بناحية بطنة.