أنقذتهم منها جهود دعاة الثورة (الحركيين). ومالبثوا أن استردوا الشعور بعظمة أمتهم، فأقبلوا تباعا - الواحد بعد الآخر - وانضموا لقوات جيش التحرير الوطني الذي جسد لهم أهداف وجودهم.
وإذا كان (ولد الغوله) يمثل هذه الفئة، فقد كان (جيلاني حداد) يمثل الفئة المقابلة، فقد نشأ جيلاني في المدينة، وعاش بيسر وبحبوحة، وتميز منذ أيامه الأولى في الحياة بذكائه الحاد، فكان من السهل عليه أن يؤمن بضرورة استخدام العنف الثوري، وبحاجة لخوض الصراع المسلح. وكان يعيش في وسط جماهير المدينة فأمكن له الاتصال بمنظمات الثوار (الماكي). وكان هذا الاتصال خطرا في حد ذاته، لا سيما وأن جيلاني كان معروفا بأفكاره الثورية ونزعاته التحررية. وسيمضي عام على موقفه مع رفاقه في الأوراس، عشية الثورة، قبل أن يودعه هؤلاء الرفاق الوداع الأخير بعد أن حملوه من ميدان المعركة، وصعدوا به لمواراته إلى جانب رفيق له سبقه الى قبر مهجور. لقد سقط (جيلاني) وهو يحمل سلاحه يرد به العدوان الإفرنسي عند مدخل القرية التي لم يتجاوز حدودها ولم يغادرها أبدا منذ بدأت حرب التحرير، وكثيرا ما كان أخوانه المجاهدون يتحدثون عنه بعد ذلك وهم يستعيدون ذكريات الحضارة الإفرنسية، التي لم يعرفوا منها إلا أعمال الإبادة ضد الوطنيين المسلمين الذين كانت تصفهم فرنسا (بالمتوحشين).
يبقى هناك مجال للحديث عن (بو عيسى) أو (رجل المستنقع) الذي لم يكن قد عرف طائرة في حياته - قبل الثورة - شأنه في ذلك شأن معظم مواطنيه، ولكن ذلك لم يمنعه من توجيه