المظليين العاشرة التي عادت من عملية السويس مهمة إعادة الأمن في الجزائر العاصمة، وقسمت البلاد إلى مربعات، وجمعت المسلمين في القرى. وقد برهنت هذه التدابير على عقمها وعدم جدواها. إذ تزايدت الصعوبات أمام الفلاحين ودفعتهم أعمال الإرهاب لتطوير جهادهم وكفاحهم. وكان هذا العمل غير الكامل، غير كاف بنفس المقدار أيضا، لأنه أهمل الطابع الدولي للصراع إهمالا تاما. وكان الوهم السياسي الذي أصرت عليه فرنسا هو:(أن الجزائر جزء لا يتجزأ من الأرض الوطنية الإفرنسية) وأن منظمة الأمم المتحدة، أو أية منظمة دولية أخرى لا علاقة لها بهذه الحرب (باعتبارها مشكلة داخلية تخص فرنسا وحدها). وبذلك لم تجد فرنسا من يدافع عنها في الخارج. واستثمرت قيادة جبهة التحرير الوطني هذا الموقف إلى أبعد الحدود، فانفردت بكل الامتيازات التي يتطلبها التحرك على المستوى الدولي.
في هذا الوقت بالذات تركز الاهتمام السياسي على الجزائر العاصمة حيث نشبت معركة قاسية بين مجاهدي جبهة التحرير ومظليي (ماسو). وأعطى وجود الصحافة الدولية في الجزائر لكل ما جرى أصداء دولية واسعة، إذ كان لا بد لأساليب التعذيب الوحشية، وطرائق القمع البربرية من أن تستنفر الرأي العام العالمي وتستفزه، وقد وصلت الاستثارة حدا قسمت فيه الرأي العام الإفرنسي ذاته. واعتبارا من هذه اللحظة، أصبح لجبهة التحرير الوطني أنصارها ومؤيدوها في الأوساط الإفرنسية. وتمزقت الوحدة الوطنية الإفرنسية تمزقا رهيبا لم يلتئم حتى بعد انتهاء الحرب. ومع هذا فقد ربح المظليون معركة الجزائر العاصمة، وأعادت عمليات (سالان) بوسائله التي عززت في ذلك الوقت درجة معينة من الأمن في الريف.