أما حروب العصابات اليوغوسلافية إبان الحرب العالمية الثانية، فقد أوحت للجزائريين الثوار بالكثير من الدروس. ولعل السبب في ذلك هو التشابه في الطبيعة الجغرافية والتماثل في موقف (القوى المتصارعة). كما أن قادة الثورة استوحوا من أعمال الجيش الجمهوري الإيرلندي، على ما يظهر، الكثير من وجهات
النظر العسكرية والآراء السياسة. غير أن معظم الأساليب التي تم اتباعها هي تلك التي سار عليها المجاهدون الجزائريون طوال السنوات التي سبقت الثورة، والتي تعتمد على أصالتهم الثورية الذاتية وتجاربهم القتالية الخاصة، وتطوير تلك الأساليب وفق مبادرات القادة. ولقد اعتمدت الخطة الاستراتيجية العامة للجيش على تصعيد الصراع المسلح بصورة منتظمة وبمعدل متزايد. وقد تحدث العسكريون - من وقت إلى آخر - عن معركة من نموذج معركة (ديان بيان فو) ينوون شنها ضد الإفرنسيين، ولكن ما لم تظهر الأسلحة الجديدة، وتحدث تبدلا أساسيا في قوة النار، فستظل الخطة العامة مرتكزة على بث الشعور بعدم الطمأنينة للإفرسيين في كل موقع، وفي أي مكان، من أرض الجزائر. ولا ريب في أن الظروف المحلية وقوة الجيوش الإفرنسية العاملة في الجزائر، واحتمالات التموين، قد احتكلت كلها المكان الأول في الاعتبارات المتعلقة بهذا الموضوع.
يظهر ذلك، أن جيش التحرير الوطني الجزائري قد اكتسب منذ بداية عهده الشكل الحقيقي والمضمون العملي للجيش النظامى المحارب، ولم يكن أبدا، لا في انضباطه، ولا في أساليب عمله ولا في طريقة عمله، مجموعة من العصابات (أو الفلاقة) أو (العصاة) كما أطلقت عليهم فرنسا حتى آخر عهدها بالجزائر. ولم