إلى فرنسا ذاتها إن هي تابعت قمعها الوحشي واستمرت في أساليبها اللاإنسانية في التعامل مع الجزائر (ثورة وشعبا) غير أن فرنسا لم تحمل إنذار الثورة الجزائرية على محمل الجد، فمضت في التعرض لمدنيي الجزائر، لا تمييز بين شيوخ ونساء وأطفال، ولا تفريق بين مجاهدين يحملون السلاح ومواطنين عزل لا يملكون الوسائط للدفاع عن أنفسهم، أو حماية حياتهم.
ولقد تطلب هذا التطور في الواقع جهدا كبيرا من قادة الثورة الذين عكفوا على دراسة قرارهم مرات عديدة قبل نقل الحرب من أرض الجزائر الطيبة إلى قلب فرنسا، وكانوا يرون أن فتح هذه الجبهة هو أمر ممكن، وأن نتائجه ستكون بعيدة المدى، ولكنهم لم ينفذوا خطتهم قبل ذلك لأنهم رغبوا تجنب إستثارة الاستعماريين والرجعيين في فرنسا للشعب الفرنسي، وحشده ضد الجزائر المجاهدة بحجة أن الثورة الجزائرية تتحدى القدرة الفرنسية في وطنها وأرضها، بعد أن تحدت فرنسا وشعبها - من المستوطنين - على أرض الجزائر ذاتها. وأن الثورة الجزائرية استهترت بالدم الفرنسي، فأخذت في
إزهاق أرواح الفرنسيين في فرنسا.
ولكن عندما تألبت الرجعية الفرنسية في فرنسا ذاتها وفي الجزائر، وأوصلت ديغول إلى الحكم ليتابع المحاولات الفرنسية في قمع ثورة الجزائر، وإعاقة شعبها عن بلوغ أهدافه في الحرية والاستقلال، لم يبق أمام الثورة الجزائرية من خيار إلا تطوير الصراع ونقل الحرب إلى فرنسا. ولكن، حتى في هذه الحالة، فإن ضربات الثورة الجزائرية لم تستهدف (المدنيين الفرنسيين) وإنما تركزت على (آلة الحرب الفرنسية) والموارد الاقتصادية التي تغذي (آلة الحرب) وترفدها بالقدرة والقوة.