هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، فإن قيادة الثورة لم تسقط من حسابها ما قد يتعرض له الفدائيون في فرنسا من التنكيل والتعذيب وهم تحت رحمة العدو، غير أنها أدركت أن تضحية هؤلاء لن تتجاوز في كل الأحوال ما كان يتعرض له أهلهم وذووهم في معتقلات العدو وسجونه في الجزائر ذاتها. كما أنه ليس باستطاعة فرنسا حجز الجزائريين في فرنسا وهم الذين يضطلعون بالخدمات وتقديم اليد العاملة الرخيصة للصناعة الفرنسية، إذ أن مثل هذا الإجراء سيدمر الصناعة الفرنسية وسيصيبها بالشلل.
يظهر من خلال ذلك، أن قيادة الثورة الجزائرية لم تسقط من حسابها أي عامل من العوامل وهي تعد مخططاتها لتطوير الصراع الشامل.
وجاءت بعد ذلك مرحلة التحضير لتنفيذ العمليات التدميرية بحيث تأخذ شكل تظاهرة عنيفة وقوية تستنفر الرأي العام الإفرنسي خاصة والرأي العام العالمي بصورة عامة للحصول على تأثير معنوي معادل للتأثير المادي، ولهذا تم اختيار عدد من الأهداف في أنحاء مختلفة، وليس هدفا واحدا في منطقة واحدة. وكان لا بد في مرحلة التحضير هذه من اختيار العناصر المنفذة (الفدائيين) اختيارا دقيقا، ثم تجهيز هذه العناصر بما تحتاجه من أسلحة ومتفجرات، وإذا لم يكن من الصعب اختيار العناصر المنفذة وسط جمهور الجزائريين المقيمين في فرنسا - وكلهم ثوار مجاهدون على استعداد لتنفيذ أصعب الواجبات وأخطرها، إلا أن تجهيز هؤلاء بما تحتاجه عملياتهم لم يكن من الأمور السهلة. غير أن التصميم العنيد والإرادة الصلبة، استطاعت تذليل كافة العقبات، فأمكن تطوير الصراع في الوقت المناسب، والانتقال من مرحلة الإنذار والتهديد، إلى مرحلة التنفيذ العملي