ربع ساعة حتى وصلت مزرعة (ميليير) حيث شاهدت للوهلة الأولى سيارة سوداء تقف أمام المدخل. فأوقفت السيارة على بعد مسافة كافية، وإلى جوار الرصيف، ثم ترجلت منها، وتوجهت إلى المزرعة سيرا على الأقدام. وقد شاهدت في وسط الظلمة شبح رجل يجلس وراء مقود سيارته، وتملكني شعور بالخوف، غير أنني حاولت التظاهر بالهدوء، فتقدمت مباشرة نحو باب القضبان الحديدي الذي يحرس المدخل، ودفعته بقوة. وناداني صوت أعرفه وهو يقول لي (أهذا أنت يا عليوه؟) وأطلقت زفرة عميقة بددت فيها ما كنت أشعره من الخوف. ودعوت (عمار) إلى دخول المزرعة. وتبادلنا بعض الكلمات عن حرارة هذا اليوم القائظ من أيام شهر آب - أغسطس - ونحن نخترق الممر الذي يقودنا إلى الكوخ الصغير (الشاليه) حيث أقامت فيه طوال ثلاثة أيام زمرة الفدائيين التي ستقوم بتنفيذ عملية هذه الليلة.
كان باب المدخل يتصل مباشرة بالغرفة الرئيسية للمبنى. وهنا كان يجتمع سبعة من الفدائيين الشجعان حول (محمد أوزناني). وغمز لي (عمار) بعينه ففهمت من نظرته كل ما كان يريد قوله بشأن الحالة النفسية والروح المعنوية التي يتمتع بها هؤلاء المتطوعين الفدائيين. وفي الحقيقة، فإنه ما من أحد تنبه إلى دخولنا الحجرة، فقد كان انتباه الفدائيين السبعة مشدودا بكليته لدراسة الأجهزة المتفجرة التي صنعها وأعدها (محمد أوزناني) وذلك من أجل معرفة طريقة التعامل معها، واستخدامها، وأسلوب تفجيرها. وأرسلت سعالا انتزع الفدائيين من استغراقهم، فأداروا جميعهم برؤوسهم نحوي. وصدمتني نظراتهم الباردة، وتعبيرات وجوههم الساكنة، الهادئة. وأمكن لنا أن نستنتج من مواقفهم بأنهم لم ينتهوا بعد من