القديم حافلة بروادها. وهنا اخترت النزول من الحافلة. كان هواء الريف قد اعتصرني، فشعرت بالجوع، وأخذت في البحث على مكان لي في المقهى. لقد كان اقتحام هذا المكان مغامرة حقيقية، فالناس يتدافعون في هذه المقاهي والمطاعم التي تنتشر على امتداد جبهة البحر. ثم ما حاجتي لاقتحام هذا المكان وكل ما أحتاجه هو قطعة من الجبن وقطعتان أو ثلاث قطع من (البسكويت) وقدح من الحليب البارد، وهذا متوافر في منزلي الذي لم يعد بعيدا؟ ...
كانت (ناديا) تنتظرني أمام المبنى، وكانت مباغتة لي أن أجدها واقفة في انتظاري، وقالت لي بأن عربتهم - مركبتهم - قد توقفت بسبب نفاد الوقود. وأن (عمارا) قد أرسلها لتصل بسرعة وتعلمني بجلية الأمر. وضحكت، فذهلت (ناديا) لهذا الضحك - في وقت غير مناسب - وإذ ذاك أعلمتها بأن عربتي قد توقفت بدورها، وأنني اضطررت إلى تركها على قارعة الطريق، عند نقطة لا تبعد كثيرا عن المزرعة، وصعدنا إلى شقتي، وعقارب الساعة لم تصل بعد إلى منتصف الليل.
أعددت لنفسي بعض الشرائح (ساندويتشات) وقدحا من الحليب، وكذلك فعلت (ناديا). وفتحت باب الشرفة، وخرجت إليها. وكان القمر قد ارتفع عاليا في قبة السماء. وأرسل أشعته لترسم لوحات رائعة الجمال فوق سطح البحر الذي يمتد منبسطا أمامي حتى الأفق وفي هذه اللحظة، قرع جرس الباب. وفتحت (ناديا) الباب، فدخلت عميلتنا الثانية المسؤولة بدورها عن الاتصالات (واسمها حليمة). وكان وجهها يضج بابتسامة عريضة، تفضح ما كان يعتمل في نفسها من سعادة غامرة. وكانت ملامح وجهها، ومزاجها المرح يعبران أصدق تعبير عما تشعره من الرضى