للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دراسة المنشآت وأجهزتها بصورة تفصيلية ودقيقة. غير أن تفكيري الآن قد امتد إلى أفق العمليات الأخرى في: (بير) و (لافيرا) و (اليس) و (بوردو) و (ليون) و (بيربينيان) و (تولوز) و (كاب - بينيد) و (ليزا يغلادس) ... وهنا وصلت حافلة نقل (أوتوكار) متوجهة إلى (مارسيليا). فقفزت من مكاني، وأشرت إليها ملوحا بكلتا يدي. فتوقفت، وتسلقت درجتي الباب، واشتريت بطاقة الرحلة. وكان هناك أربعة من الركاب قد احتلوا المقاعد الأولى من الحافلة، فتطلعوا إلي جميعا بنظرات فضولية، غريبة، فتعمدت أن أتجاهل نظراتهم. وتوجهت للجلوس على مقعد بعيد الى الخلف منهم، بحيث أضعهم باستمرار تحت مراقبتي. ولقد تمكنت حتى الآن من الاضطلاع بدوري بجدية تامة، مما عزز قناعتي وثقتي: بكل ما قمت بتنفيذه.

ولكن ها أنا وقد أخذت أشك بكل من حولي، فأقف موقف الحذر من ركاب الحافلة، وأراقب كل حركة من حركاتهم. إنني أشعر بالقلق، بل إن هذا القلق قد وصل إلى حد الخوف، ووصل بي الأمر في لحظة من اللحظات إلى حد بروز رغبة للتقدم من سائق الحافلة والطلب إليه برجاء أن يتوقف حتى أغادر المركبة. غير أنني سرعان ما استعدت في ذهني ذكريات المخاطر التي سبق لي أن تعرضت لها، والمجازفات التي اقتحمتها، والعقبات التي أمكن لي التغلب عليها وتجاوزها ...

دخلنا المدينة، في هذه الساعة المتأخرة من الليل، ولم أكن أفكر بأنني سأجد الشوارع مكتظة بحشود الناس في مثل هذا الوقت. ويظهر أن معظم هؤلاء قد فروا من مساكنهم الخانقة. بحثا عن نسمات من الهواء العليل المنعش. وكانت المقاهي عند الميناء

<<  <  ج: ص:  >  >>