للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد شهدت محاكمة الأسرى الفرنسيين الأربعة، وحصلت على خطابات بخط يدهم. رأيت المعاملة الكريمة التي عاملهم بها جيش التحرير في الوقت الذي تعذب فيه فرنسا المجاهدين الجزائريين وتشردهم. إنه درس في الإنسانية من أبطال جيش التحرير، درس في الأخلاق والشرف لفرنسا وللعالم الغربي الاستعماري، في الوقت الذي كان فيه زبانية فرنسا يحطمون أضلاع المجاهدة (جميلة) وأخواتها، وفي هذا الوقت، حيث يتساقط عدد من جنود فرنسا بين يدي الأبطال الجزائريين. فما الذي حدث للأسرى الفرنسيين في أيدي جيش التحرير؟ والذين اعتبرناهم أسرى مع أنهم قتلة في مذبحة، وسفاحون بلا شرف؟ أبدلوا ثيابهم الممزقة بثياب جديدة، وكانوا يرتجفون - كالفئران المذعورة، لشعورهم بأشباح ضحاياهم الجزائريين تحيط بهم. لم يصدق الأسرى الفرنسيون ما تراه عيونهم، وهم يجدون مقاعد لجلوسهم في مكان ما من الجزائر. لم يحطم أحد ضلوعهم، ولم يبصق أحد في وجوههم، ولم يفقأ أحد عيونهم، ولم يكوهم أحد بالنار، ولم يقتلع أحد أظافرهم. كل الذي حدث هو أنهم قوبلوا بإنسانية. وقدم لهم

الطعام والكاء، وحوكموا في محكمة عسكرية جزائرية منظمة. وأكثر من هذا إن ضابطا جزائريا من أعضاء المحكمة شاهد أحد الأسرى أمامه وهو يرتجف من البرد، فنهض من مكانه، وخلع معطفه، وذهب بنفسه إلى الأسير الفرنسي وألبسه إياه. هل شهد أحد مثل هذه الإنسانية؟ ومع من؟ مع الفرنسيين الذين ينتهكون كل المحرمات، ولا يتورعون عن تعذيب النساء والشيوخ والأطفال.

واستمرت المحاكمة.

القضاة من ضباط جيش التحرير الوطني الجزائري، وأمامهم

<<  <  ج: ص:  >  >>