للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبالرغم من ذلك كله، فقد تابع - الرجل الشاب - سيره باستمرار، وبخطوات هادئة متزنة؛ وكان كل ما يفعله عندما تشتد المطر قوة وعنفا، هو أن يضم إليه أطراف سترته، ويثبتها بالشد عليها بمرفقيه.

كانت هناك بعض الشجيرات دائمة الخضرة، تقف بأغصانها المرنة الضعيفة، ثم تنحني وتنهض على التتابع، وتترنح يمنة ويسرة، حتى كأنها ترقص على نغمات الريح العاصفة. وأثناء ذلك، كانت سيول الأمطار المتدفقة بقوة، قد حملت معها المزيد من الكتل الطينية، وقذفت بها على أرض الطريق. مما زاد من عناء المسير ومشقته، فلم يصل - الفتى الشاب إلى وادي (سيدي خليفة) إلا وقد استنزفت قوته، فمضى يستريح تحت أغصان شجرة زيتون هرمة، وأمله هو أن تتيح له هذه الاستراحة القصيرة فرصة لاستعادة أنفاسه، واستعادة بعض ما فقده من قوته، استعدادا للحظة اللقاء الذي سينسيه ما تعرض له من معاناة، وما احتمله جسده من سياط العدو اللاهبة.

نظر الرجل الشاب فيما حوله بعين حذرة، وهو يستعيد صور هذه المشاهد الطبيعية، فأنكرها، حتى كأنه لم يشاهدها منذ وقت بعيد، أو حتى كأنه لم يرها من قبل أبدا. وفي الحقيقة، فإن هذا - الرجل الشاب - لم يطأ بقدميه أرض منطقته، ومسقط رأسه، منذ أربعة أعوام. لقد تم اعتقاله في كانون الأول - ديسمبر - ١٩٥٤ ومعه خمسة رجال من قريته (ولكحو) بالإضافة إلى عدد من شبان القرى المجاورة. وأعدم الافرنسيون شابين من المعتقلين في اليوم التالي لاعتقالهما (في معسكر غيط شفة). بينما تم إلقاء الآخرين في معتقل (بورت غويدون).

<<  <  ج: ص:  >  >>