أما الرجل الشاب (واسمه سليمان عرودكي) فقد تم نقله بعد سنة من اعتقاله إلى سجن (تيزي - اوزو) ليقضي فيه ثلاث سنوات أخرى. وفي النهاية، قرروا إطلاق سراحه، فنقلوه صباح هذا اليوم مع قافلة عسكرية إلى (بورت - غويدون) وأنزلوه هناك، وبقي عليه أن يسير على قدميه، تحت هذه الأمطار الغزيرة، حتى يصل إلى قريته (ولكحو).
خلال هذه الفترة، أخذت سيول الأمطار في التخفيف من حدة هبوطها الجامح، وها هي الآن قطرات المياه تتساقط بحبات صغيرة، أشبه ما تكون بالرذاذ، محدثة موجات خفيفة تتلاطم على جنبات الحاجزين القائمين على طرفي الطريق. ونهض (سليمان) وقد التصقت ثيابه بجسمه، واستأنف سيره على طريق الوادي الذي تضخم تحت بصره بطريقة عجيبة. وبقيت المياه الطينية تتدفق بهدير صاخب وهي تتكسر على أقواس الجسر المعدني، الذي ما كاد (سليمان) يعبره حتى سار على الطريق الرئيسي الذي يصل إلى قريته. وأحنى رأسه مطرقا وهو يتأمل بنظرة مشفقة أصابع قدميه الحمراء وقد برزت من فتحات حذائه المطاطي الممزق، المهترىء. غير أنه لم يلبث أن رفع رأسه بصورة آلية، وركز نظره على كوخ مجاور كانت تفوح منه رائحة الشواء المدخن.
وشعر (سليمان) بغتة بحاجة مسلحة للدفء، واهتز جسده كله إذ اجتاحته رعدة طويلة. وقال في نفسه:(إنهم، لا بد، يطهون الطعام هناك!) ثم انتقل بنظره إلى سحب الدخان المتصاعدة من مداخن المنازل وشعر عندها بتقلص حاد في معدته، وتذكر أنه جائع، فهو لم يطعم شيئا هذا النهار، غير أن اقترابه من قريته صرف عنه الشعور بالجوع ليحل محله شعور بالهيجان، وأخذ وجيب قلبه