يتردد في أذنيه بدقات متسارعة. فزاد من نشاط خطوه، وتركز نظره على المعسكر القائم فوق القمة، والذي كان لا بد من المرور فيه، قبل التوجه إلى القرية.
عادت الأمطار إلى التدفق بمثل معدلها السابق. وأسرع (سليمان) في سيره مدفوعا بحافزين: أولهما - المطر المنهمر، وثانيهما - الشوق للقاء الأهل. وعلى هذا فما أن غادر الثكنة العسكرية - المعسكر - وابتعد مائة خطوة، حتى انبسطت القرية أمام بصره بوضوح تام.
...
وقف (سليمان) ذاهلا، وقد فغر فاه لهول ما يرى، فلشد ما تغيرت قريته التي كان يعرفها، وبات لزاما عليه بذل جهد كبير لقراءة ملامح المشهد الذي يقابله. لقد تحولت معظم المنازل التي كان (سليمان) يتوقع رؤيتها، وأصبحت كومة من الأنقاض، أو اختفت بصورة تامة من ظهر الوجود، لتترك في مكانها أشرطة أرضية ضيقة، كما برزت منازل أخرى، معظمها من التوتياء، قامت على مقربة من أنقاض المنازل القديمة، أو فوق الأماكن التي كانت بيوتا وزالت. وقادته قدماه غريزيا إلى حيث مسقط رأسه ومرتع صباه، فلم يجد إلا كومة من الأنقاض. وجمد في مكانه، ووقف برهة طويلة ينظر بعين غاضبة إلى هذه الحجارة التي طالما سحرته، ولم يعد يشعر بالأمطار المنسابة على وجهه.
غير أن صوت رجل كهل انتزعه من شروده، وهو يخاطبه بقوله:(ألست أنت ابن سليمان ايدير؟!) وأقبل الكهل على معانقة (سليمان) من غير أن ينتظر الإجابة على سؤاله - ثم قال له: (حمدا لله على عودتك سالما - إنك تجهل يقينا السكن الجديد لأهلك! هيا