اتبعني وسأرشدك إليه). سار (سليمان) عشرات الخطوات، وقف بعدها أمام كوخ خشبي، وابتعد الرجل الكهل، ووقف (سليمان) برهة تحت المطر، أقدم بعدها على دفع الباب المهتز دفعا يسيرا، وبرفق. كانت أمه جالسة بالقرب من الموقد، وما أن سمعت صرير الباب حتى استدارت، وندت عنها صرخة اختلط فيها الذعر بالفرح. إنه حلم وقد تحول إلى حقيقة، فها هو ابنها يقف أمامها. أما (سليمان) فقد وقف برهة، زائغ النظرات، باسط الذراعين، ثم لم يلبث أن طرح عنه ثوب الجمود وهو يرى أمه تسير مندفعة نحوه لتعانقه وهي تجهش بالبكاء، وتدمدم بكلمات الشكر لله. وفي الوقت ذاته، كان والد سليمان وأخته يندفعان نحوه، وعانقه الثلاثة في وقت واحد. وجلس (سليمان) بعد هذا اللقاء العاطفي المثير يتأمل والديه.
كانت والدته شديدة الشحوب، وقد أحاطت بعينيها هالة زرقاء. وفزع (سليمان) وهو يرى وجه أمه على مثل هذا الشحوب الذي يحاكي شحوب وجوه الموتى. وسألها:(ما بك يا أماه؟ هل تشكين مرضا؟) وانتزعت المرأة العجوز ابتسامة في محاولة منها لتطمئن من قلق ابنها غير أن هذه الابتسامة لم تلبث أن ماتت على شفتيها وهي تهمس بكلمات لم تصل سمع ابنها الذي أخد يتجول بنظره دوريا وهو يتأمل وجوه أبيه وأخته وأمه.
وها هو يثبت نظرته على وجه والده الذي لم يبق منه إلا جلد يلتصق بالعظم. أما أخته فقد تركها وليس لها من العمر إلا ثلاثة عشر عاما، وها هي أمامه الآن وقد نضجت وأصبحت صبية حلوة، غير أنه لم يكن يستر جسدها الغض أكثر من خرق بالية وأثمال عتيقة. وشعر (سليمان) بألم يعتصر كيانه، وضيق شديد في صدره، وهو يرى