بؤس الحياة من خلال رؤيته لثياب أخته، ونسي أن ثيابه لم تكن أفضل من ثياب أخته.
ومضى (سليمان) في صمت عميق. كما لو كان ينتظر أحدا، وأخيرا عيل صبره، فسأل أمه:(وأين هو أخي - عقلي -؟). وتبدلت ملامح الأم بغتة، فارتسمت إمارات الذعر على وجهها، وتقلص فمها، وأجهشت بالبكاء، ولحقت بها ابنتها فشاركتها بكاءها ونحيبها. وشعر (سليمان) وكأن خنجرا حادا يمزق صدره، وأحس بعبء ثقيل وقد سقط فوقه وسحق جسده، وتطلع ببصره إلى الوجوه حوله، متسائلا، مستعطفا، ملحا على إجابة لم يجدها إلا على شفتي أبيه، اللتين ارتجفتا وهما تنطقان صوتا مخنوقا:
(أجل! استشهد! لقد قتلوه!).
وانتاب (سليمان) إحساس بالضياع، ووجد نفسه ذاهلا، وسقط رأسه بين يديه عاد المطر إلى تدفقه الصاخب، وأخذت قطرات من المياه بالتسلل عبر ثقوب السقف. وهبت ريح عاصفة مزمجرة وهي تصدم الأغصان، لتنساب بعد ذلك على شكل نسمات حلوة رقيقة، انتعشت لها نفوس من في الكوخ، وكأنها الصوت الوحيد الذي أراد أن يشارك في ذكرى البائس (عقلي) بعزف تعبيرات حزينة شجية.
كان مصباح البترول (الفانوس) يرسل أشعة متراقصة ضعيفة، ترتسم على الجدران في أشكال أشباح ميتة. ونظرا لشدة البرد، فقد التف أفراد العائلة حول نار الموقد، بينما كانت ريح الإعصار في الخارج تعزف باستمرار (اللحن الحزين). وهيمن الصمت الجنائزي على الجميع. لم تكن بهم حاجة للحديث، إذ كان كل واحد منهم يعرف ما يفكر به الآخرون. وتركز المنزل جميعه، وبمن