من مجرد الذكرى التي جاءت لتفسد عليه متعة الحرية. وانتابه دوار في رأسه، فتركه يستند إلى يديه. واستراح قليلا. وعندما نهض من جديد، كانت نظراته تحمل بريقا جديدا، وشعر بتيار الحياة يحيط به، ويحمله إلى آفاق لا نهاية لها. إنها آفاق تعبق بكل شذى الغابة.
فهنا الحرية، وهنا الانتقام.
الانتقام لأخيه، والانتقام للمعتقلين في سجن (تيزي - أوزو). وارتفعت الشمس فوق ذرى الجبال الشماء، مرسلة الدفء إلى الأرض، وهي تسبح في زرقة السماء الصافية.
هنا، الشمس، والنور، والحياة.
لقد تبدد (ضباب الفجر) ووصل إلى نهايته.
لم يستمتع (سليمان) بهذه الحرية أكثر من يوم واحد، ففي اليوم التالي شعر برصاصات تمزق صدره آثناء أول اشتباك له مع العدو.
وحمله الافرنسيون إلى القرية، ووضعوه في فناء المسجد - الجامع - وقد أحاطت بجثته غلالة أرجوانية قانية تحميه من الخضوع للأعداء. وتكفيه مؤونة الانتقام القريب. وهناك، في جوف كوخ حمل تجاوزا اسم - منزل - انطلقت صرخة حادة طويلة، إنها صرخة انطلقت من قلب خرج عن موضعه وقد انغرست فيه الأظافر. لقد كان ذلك القلب هو قلب امرأة، أم، أصابها الجنون.