عندما رجعت إلى المنزل، وجدت أمام بابه سيارة عسكرية خفيفة (جيب). وتجمد الدم في عروقي. فكيف وصلوا إلى هنا؟
وتابعت طريقي، فاتجهت مباشرة إلى مزرعة (سوفتون) حيث يمكن لي القيام بالاتصالات. واختبأت في المزرعة لمدة ثلاثة أيام. ثم جاءت الليلة التالية، وارتفع فيها ضجيج عربات نقل الجند الكبيرة (الكميونات) فملأت الساحة؛ وانتشر رجال الدرك في كل مكان. وحاولت الهرب عبر غيضة من شجيرات الورد الشائكة، الأمر الذي أعاقني عن رؤية الرجل المتوقف هنا للحراسة، وقد أخذ هذا في مطاردتي، وأطلق رصاصة أخطأتني. غير أنني أصبت بالذعر، فلم أعد أعرف إلى أين أتجه، ولا أين أسير، وتم اعتقالي. ونقلت ليلا إلى ثكنة الدرك، وبدأ التحقيق على الفور. ولشد ما كانت دهشتي عندما أطلعني رقيب الدرك - المحقق - على ملف سجلت فيه كافة اجتماعاتنا ولقاءاتنا:(كل شيء - ما عدا شيئا واحدا لم يضمه الملف بالتأكيد، وهو - من الذي قام بتنفيذ عملية إلقاء القنبلة في المقهى؟ وما هو دوري فيها؟) ولما كنت أعرف بأن عقوبة - العدوان على الأماكن العامة - هي العقوبة القصوى، فقد قررت الالتزام بالصمت، مهما كلفني ذلك من مشاق. وأمسك إثنان من رجال الدرك بذراعي، وأثبتاهما خلف ظهري، ووجه الرقيب لكمة قوية بجمع يده إلى بطني، ثم استمر في توجيه ضرباته، وهو يقول لي (أقسم لك، أنك ستنتهي بالاعتراف بكل شيء!) ترى كم استمرت نوبة التعذيب هذه؟ إني لست أدري! غير أنني أذكر ما قاله لي في النهاية:(بما أنك مستمر في عنادك، فسنرسلك إلى مزرعة سانت جان)! وكانت مزرعة (سانت جان) تبعد مسافة عشرة كيلومترات عن (بورقيقة) وقد اشتهرت بغرفها المجهزة للتعذيب،