لأسلوب الهجمات الخداعية المرتبطة بتنظيم الكمائن، فكانوا يقومون بهجومهم، ثم يتراجعرن، تاركين عددا من المقاتلين في مؤخرتهم، حيث يتظاهر هؤلاء بأنهم قتلى، أو أنهم يتمركزون بمواقع مموهة. وسرعان ما ينطلق العدو بهجومه المضاد، غير منتبه وهو يتحرك بسرعة إلى أسر عشرات المجاهدين المغاوير المنتشرين حوله. وتستمر الكتلة الرئيسية من المجاهدين في انسحابها بينما تتابع القوات الاستعمارية مطاردتها الحاسمة، مركزة كل جهذها لملاحظة هؤلاء الذين يتحركون أمامها. ويجد المقاتلون الاستعماريون فجأة أنهم وقعوا في كمين (فخ) محكم. ومن السهل بعد ذلك توقع ما يحدث بعد ذلك.
مضت الأشهر الثلاثة على هذا الصراع المرير، وهو الصراع الذي لم يشترك فيه العقيد (شارل) ولو بمعركة واحدة، ولم يصل فيه أبدا إلى قمة الأوراس، ولو لمرة واحدة. وإذا ما أمكن له الوصول مع قواته إلى بعض المرتفعات والذرى، فإنه ما وصلها إلا لينسحب منها بسرعة أكبر من سرعة تحركه إليها، مخلفا وراءه الجثث المتراكمة والممددة على الأرض - إلى الأبد -.
لم يتمكن الاستعماريون من البقاء في الأوراس، فكانت في ذلك هزيمتهم. ولم تكن هناك ضرورة لأن تصدر قيادتهم أوامرها بالانسحاب. ففي نهاية شهر حزيران - يونيو - ١٩٥٩ لم يعد هناك أي وجود للاستعماريين هناك.
وضاع العقيد (شارل) ولم يعد له أي ذكر. وبقيت الأوراس منطقة محررة من مناطق جيش التحرير الوطني، وبقيت محررة حتى اسقلال الجزائر كلها وتحريرها تحريرا تاما. وكم كان الثمن فادحا؟ لقد غابت عن ساحة الصراع ثلاثة أفواج تقريبا (أو ما يعادل ١٤٠٠