أعصاب المجاهد الشاب، فكاد يطلق نيران سلاحه ويضغط على الزناد، عندما سمع صوت أحد جرحى المجاهدين وهو يقول له (احذر! قف! إنه العقيد). وخلال ذلك لم تفارق الابتسامة شفتي العقيد، وهو ينظر إلى المجاهد الشاب بإعجاب، وقال له بلهجة أخوية:(إنني أعرف الآن سبب فشل الاستعماريين في القضاء علينا). وصدرت عنه ضحكة طويلة رددت الصخور أصداءها. فكانت ضحكته تحديا للاستعماريين ولفرنسا كلها. وهي ضحكة أكدت أنه ما من سبب يدعو النصر ليكون فرنسيا، إلا إذا أمكن للقوات الافرنسية أسر العقيد (بو نعمة) ورجاله، وأخذهم أحياء لتقديمهم هدية إلى فرنسا. وقد كان من المحال على فرنسا بلوغ ذلك.
أخذت مسيرة الأحداث - على مسرح العمليات - في التحول عبر المنعطف الحاسم، وظهر للعقيد (شارل) أنه بات في موقف لا يحسد عليه، فأخذ اليأس يهيمن عليه، بالرغم مما كان يملكه من تفوق في ميزان القوى - أو حتى بما بقي له من فضلات ميزان القوى - وبالرغم أيضا من دعمه بأحدث الأسلحة المتطورة، وأشد الوسائط القتالية الفتاكة.
طور جيش التحرير الوطني في هذه الفترة أساليبه القتالية - التكتيكية - فلم تعد قواته في الاوراس - تقف عند حدود ضد العدو، أو القيام بالهجوم المضاد، ما بين فترة وأخرى. وقد عرفت هذه القوات من خلال تجاربها مع العدو، أن قواته الاستعمارية تجيب على كل هجوم بهجوم مضاد أكثر قوة وعنفا. وكان ذلك يسمح للمغاوير المجاهدين بتدمير قسم من قوات العدو، وإنقاص قوته العددية. ولكن ذلك لم يعد كافيا. ولهذا، فقد لجأ المجاهدون