وعاد السؤال المطروح: هل هي نهاية الأوراس بكل من عليها من مواطنين ومجاهدين؟ لم يكن هناك من يستطيع الإجابة على مثل هذا السؤال بصورة موضوعية، والقضية هنا ليست قضية آمال أو تمنيات. غير أن المجاهدين كانت لهم طريقتهم الخاصة في التفكير، إذ أنهم لم يكونوا يفكرون إلا في قضية واحدة، وهي: الموت في المعركة ولا شيء غير ذلك، وكانت آمالهم وتمنياتهم محددة بطلب أولى الحسنيين (الشهادة)، أما قضية النصر فتبقى مرتبطة بإرادة الله.
والشواهد على ذلك كثيرة، يكفي هنا الإشارة إلى حادثة واحدة تبرز هذه الحقيقة التي كانت العامل الوحيد لما تميز به المجاهدون من روح معنوية عالية.
كان العقيد (سي محمد بو نعمة) في مقدمة الصفوف دائما، وعلى خطوط النار الأولى باستمرار. وفي يوم أصابه تمزق في أربطة القدم (لي أو التواء في الرسغ) بينما كان يعمل على مساعدة مجموعة من المغاوير الذين وقعوا في مأزق حرج نتيجة التقدم العنيف لقوات الاستعماريين. ووقع العقيد (بو نعمة) أرضا، ثم تحامل على نفسه ونهض، إلى أن وجد لنفسه ملجأ أمينا خلف إحدى الصخور التي تضمن له وقاية أفضل من الرصاصات الطائشة. وفجأة ظهر مجاهد لا يعرف أحد من أين أتى، ولا كيف تقدم، ولم يكن هذا المجاهد يعرف العقيد معرفة شخصية، غير أنه لاحظ طريقته في التحرك، فثارت الشبهة في نفسه، وأخذ في مطاردته، حتى إذا ما أمكنت له الفرصة المناسبة، انقض عليه، وجرده من سلاحه، وظنه هاربا من قوات العدو، ولهذا فانه لم يترك له الفرصة للكلام، ووجه اليه فوهة رشيشه القصير. وابتسم العقيد ابتسامة زادت من توتر