قائدي الفصيلتين (تاج) و (جلالي) بالتناوب فيما بينهما لإجراء قفزة جديدة على طريق الانسحاب. وتأبط قائد الوحدة رشاشه، وانحرف لتأمين الجرحى ووضعهم في ملجأ أمين يحميهم من الخطر. وأمكن تنظيم إخلائهم إلى الوادي عن طريق نقلهم واحدا بعد الآخر، وتغطية انسحابهم بالنيران.
وهنا حدثت معجزة حقيقية. معجزة أثارت الأمل في النفوس. ففي هذه الفترة كانت الوحدة المتمركزة في اتجاه الغرب - لمواجهة القوات القادمة من المغرب - قد تعرضت لمأزق صعب، وجابهت ضغطا قويا. فأصدر قائدها (غاوطي) أوامره بالانسحاب التدريجي - وبالتناوب - وعندما رأى العدو تحرك القوات المنتظم من جانبين متعاكسين - متضادين - اعتقد بأن المجاهدين يقومون بمناورة لتطويق قواته. واعتقد أيضا أن هذا التحرك - أو المناورة - هي جزء من خطة عامة للمجاهدين الذين افترض وجودهم في كل مكان. فأصدرت القيادة الافرنسية أوامرها إلى قواتها بالتراجع، حتى لا يباغتها الثوار (الفلاقة) بحركة تطويق على مؤخراتها. وهنا انفتحت ثغرة واسعة لم يكن يتوقعها المجاهدون، وأمكن لهم بذلك المرور مع جرحاهم وأسلحتهم الثقيلة وأعتدتهم، والانتقال إلى الجهة المقابلة من الوادي. حيث احتلوا هناك مواقع قتالية جديدة.
كان العدو يعتقد أن بإمكانه أخد المجاهدين أسرى بعد إحكام قبضته عليهم، وعندما وصلت قواته إلى الأماكن التي كانوا يحتلونها، لم تجد فيها أحدا. وكانت خيبة أمله كبيرة عندما عرف بأنهم قد انسحبوا بعيدا، وأصبحوا خارج مجال عمل أسلحته الآلية - الأوتوماتيكية - وذلك باحتلالهم المواقع المواجهة له على المنحدرات الجبلية. ولم يبق أمام جند العدو الذين أصيبوا بالإحباط، إلا أن