واجبه وفقا لعزته وكرامته. وإن أشد ما كانوا يبغضون في الجيش الافرنسي إقدامه على ضربهم وإهانتهم. ولهذا فإن الاحترام يسود علاقاتهم. وتعتمد الأخوة التي تؤلف بين قلوبهم على المساواة التامة فيما بينهم، وعلى الشعور العميق بالصداقة، والبساطة التي تتصف بها علاقة الجندي بقائده، فهم يأكلون من طعام واحد، وينامون على حصير واحد، ويتصدون لأخطار واحدة. وإن أسخف الأكاذيب التي ترددها الدعاية الاستعمارية هي ما يرمون به القادة من التهرب من مواجهة الأخطار، وتعريض الجنود لها. وقد قال لي أحد المسؤولين:(إن حياتي ليست ذات أهمية تفوق أهمية حياة أي مجاهد آخر، طالب مثلي أو فلاح أو عامل). وفعلا فقد استشهد هذا المسؤول في أول معركة، وهذا برهان على صدق قوله، كما يكفي لتأكيد هذا القول ما يردده الجميع، قادة وجنود، بقولهم:(إن الشعب أعز علينا من عيوننا، وإننا لنفتخر به).
وأعترف أنني لم أتمكن من التجول في مجموع الجهات التي تقع تحت نفوذ جبهة التحرير الوطني، ولكن شاهدت كثيرا من البراهين والدلائل التي تؤكد أن جبهة التحرير الوطني وجيشها يسيطران على مناطق واسعة جدا من الوطن الجزائري. فهذا مسؤول حضر من منطقة الجزائر أو قسنطينة أو الجنوب، وهذا جرح أوتي به من مكان بعيد، وهذا جندي فر من الجيش الفرنسي من نقطة بعيدة عن النقطة التي يوجد بها الآن. ولاحظت أثناء تنقلاتي بين الدواوير والمداشر أن الجيش حاضر في كل مكان، وأن نفوذ الجبهة موجود في كل موضع، وقد صرح لي مسؤول قائلا: (إننا لا نريد إظهار قوتنا إذا كان في ذلك ضرر للشعب،