الاستعماريين إلا الاستدارة نحو المواطنين المدنيين ليصبوا عليهم جام غضهم وانتقامهم، وليعرضوهم لأبشع أنواع الإذلال والتعذيب. فأقيمت (مراكز التجمع) و (معسكرات الحشد) و (السجون) و (المحاكم العسكرية العرفية) و (التجمعات القسرية - الإجبارية)(ونصبت المقاصل - جمع مقصلة) و (أبيحت الرذائل) و (انتهكت حرمات الأماكن المقدسة). وكان الهدف الاستعماري من ذلك كله هو حل الشعب الجزائري، وتفتيته، ومنعه من احتضان ثورته التي تولى قيادتها جيش التحرير الوطني، الذي بقي صامدا في وجه كل المخططات الاستعمارية، فأتعب الاستعماريين ولم يتعب.
لقد اكتسب الشعب الجزائري قناعاته من خلال معاناته لليل الاستعمار، وأصبحت لديه المنعة الكافية ضد السموم التي كانت تنفثها أجهزة استخبارات العدو، وفروع حربه النفسية، فأقبل على الانتظام في صفوف جبهة التحرير الوطني، سواء في المدن أو في القرى والسهول، وانصرف لدعم ثوار المدن (الماكي) وإمدادهم بالقدرة، ومساعدة شبكاتهم السرية، وحماية أعمال الفدائيين اليومية، أحيانا بطرائق سلبية، وأحيانا بحزم وصلابة، وأحيانا أيضا بشجاعة بطولية ونبل رائع في آن واحد خلال مجابهتهم للقمع الاستعماري. وبذلك عرفت العاصمة (الجزائر) وضواحيها نوعا من النشاط الذي لا يهدأ، وكان مجاهدو جبهة التحرير الوطني يتابعون ظهورهم على مسرح الأحداث في كل مكان وفي كل وقت، ويؤكدون وجودهم باستمرار، وفي كل المناسبات وذلك عن طريق ضرباتهم المباغتة والسريعة والقوية والتي كانت تترك أثرا نفسيا عميقا لدى الأصدقاء والأعداء على السواء. وقد ركزت المنطقة الرابعة من