يتبينوا بوضوح مصدر الصوت. فتوقفوا في هذا الوادي منتظرين الفجر للقيام ببحثهم وتفتيشهم؟ وظهرت للرجلين مرة أخرى ضرورة العودة بسرعة للوصول إلى مركز القيادة لتقديم تقرير عن كل ما أمكن لهما مشاهدته واكتشافه.
وفي هذه الثانية، وقع أحد الرجلين بقدمه على طبق من النحاس، فتصاعد ضجيج الأقداح التي كانت متربعة على الطبق النحاسي وهي تتدحرج. وانطلق النور من مصباح يدوي متجها نحو الرجلين. ونهض ثلاثة من الرجال، وهم يقولون بصوت واحد:(من هناك). ولدى سماع الصوت، أطلق الرجلان نيرانهما. وصرخ الرجال الثلاثة وهم يسقطون صرعى مضرجين بدمائهم. وعلى البعد، تردد الرصاص المنطلق من مسدس رشاش وهو يمزق بصداه وحشة الليل وظلمته. وشعر الرجلان بفرحة تهز كيانهما، إن ربهما (سي بو جمعة) لا زال حرا وهو على قيد الحياة. فانطلقا للبحث عنه، واللقاء به، ومضت ساعات من البحث من غير جدوى، حتى كأن الثلاثة كانوا يلعبون لعبة (الاستغماية) بين الكثبان الرملية، فيما كان صفير الرياح، وزئير رصاص، يمزق سكون الفضاء. وأصاب الفزع خمسين جملا، واهتاجها، فمضت تضرب في الوادي جيئة وذهابا. وظهرت بغتة
إلى يمين الرجلين (دهمان رمضان) و (سي الأخضر) مجموعة من عربات النقل - الكميونات - وعربات نصف المجنزرة، وهي تهبط المنحدر، وعندها شعر الرجلان بأن ضوء النهار قد اقترب. وصرخ (دهمان رمضان) برفيقه: (فلننسحب). وتسلقا الهضبة، ومضيا في سيرهما على خط الذرى.