للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انحدر الرجلان إلى الوادي، وإذ ذاك استقبلهما صفير الرصاص وهو يحرث الهواء من فوق رأسهما، فاستدارا إلى الخلف، ووقع بصرهما فورا على ناقلة مدرعة - نصف مجنزرة - وهي تقف إلى جوار تلك التي تم تدميرها في الليل. فانبطح الرجلان أرضا، وما كادا يفعلان ذلك حتى جاءت رصاصات مدفع رشاش لتحرث الأرض من أمامهما. ونهض الرجلان، وأسرعا بالسير عدوا طوال ربع ساعة، وربما أكثر، حتى صارت أقدامهما تصدم بعضها بعضا لشدة ما أصابها من الإعياء، وحتى غرقت ثيابهما بمياه عرقهما، وكاد صدريهما يتمزقان، ووصل قلباهما إلى حلقاهما. ونظر كل واحد منهما إلى الآخر للحظة قصيرة، وجلسا أرضا وقد أسندا ظهريهما إلى صخرة ضخمة. وبللا شفاههما بما أمكن لهما تجميعه من اللعاب في فمهما. وطلب (دهمان رمضان) من رفيقه إعطاءه قربة الماء لتناول جرعة منها. فنظر إليه رفيقه (سي الأخضر) ثم خفص من بصره وهو يجيبه على سؤاله: (لقد تركتها في مكانها). وتبع ذلك صمت ثقيل، هو صمت الموت البطيء من العطش. لقد كانت مدينة (متليلي) تقع إلى يمينهم، وفيها الماء والراحة في مئات الملاجىء، غير أن الوصول إليها عبر الطريق المكشوف - الأجرد - يعني الموت الحتمي. أما إلى يسارهما فكان (الحماد) حيث قبور الظمأ وفيها الموت الحتمي أيضا. حيث يمكن تحديد مكانهما واكتشاف أمرهما بسهولة. وظهر لهما أن الموت يتربص بهما في كل مكان، ولم يبق عليهما إلا اختيار الميتة التي يرغبان فيها حتى ينالا ميتة مشرفة تليق باسم (المجاهد). فنهضا وسارا متجهين نحو (متليلي) ولم يتوقفا إلا بعد سير ساعة من الزمن، عندما كان يقترب منهما صوت هادر لمحرك آلية (مركبة) تسير في اتجاههما.

<<  <  ج: ص:  >  >>