اشتدت حميا المعركة بين الهضبتين، وامتد اللهيب إلى كافة المرتفعات. وابتسم (دهمان) وراودته رغبة في الضحك بصراخ مرتفع، فما أجمل أن يقتتل جند الجيش الاستعماري فيما بينهم؟ وفكر (دهمان) بإنقاذ نفسه، والوصول إلى غايته بأسرع ما يمكن، متجنبا كل صدام مشؤوم، أو الإصابة برصاصة طائشة. فأخذ يتقدم في الاتجاه المضاد، وبدأ هبوطه على امتداد الساقية. سار المجاهد (دهمان) طويلا، وهو محني الظهر قدر المستطاع، حتى نال منه الإعياء كل منال والتمع برق في السماء، مبشرا باقتراب هطول المطر، وشعر (دهمان) بثقل في قدميه، وبدوار في رأسه، فانبطح على صدره، وقال لنفسه بصوت خافت:(لم يعد ينقصني إلا النوم، ولا زالت - متليلي - تبعد مسافة خمسة عشر كيلومترا وهذا ما يتطلب السير لمدة أربعة وحتى خمسة ساعات) فقرر البحث عن ملجأ يقضي فيه الليل، قبل أن يحاول الوصول إلى المدينة في اليوم التالي. وعثر على ثغرة تتسع لشخص واحد على أن ينام وهو مثني القدمين. ولم يكن هذا الملجأ بالمكان المريح، غير أن الموقف لم يكن يحتمل خيارا آخر. فزج (دهمان) نفسه بالثغرة، محاولا أن يتحسس بأصابعه جوف الثغرة، إذ لم يتمكن من دخولها إلا بنصف جسمه. وزاد من سوء الموقف هطول المطر بغزارة. ولمست أصابع (دهمان) صخرة صخمة حاول زحزحتها بجميع يديه، غير أن جهوده عجزت عن تحقيق الهدف. وكرر (دهمان) محاولته مرات عديدة، حتى بلله العرق، وأخيرا اكتفى بوضع صف من الحجارة أوصد بها فتحة الثغرة. ووضع بارودته جانبا، وتمدد أرضا وهو يشعر بالراحة، فيما كان يصيخ بسمعه لأصوات المطر وهو يقرع بحباته الكبيرة الصخور الصامدة. وانصرف تفكيره عن المعركة، واجتاحه شعور