من (دهمان) الذي أمسك سكينه وغرسها في جنب عدوه، وصرخ هذا صرخة حادة، وسقط صريعا، وأمسك (دهمان) بسلاحه وانطلقت رصاصة؛ فأصابه ألم حاد دفعه للصراخ: لقد احترقت. وأصابه مغص أليم حمله على الجمود في مكانه. غير أنه ما لبث أن أفاق من ذهوله، ونظر فيما حوله، فرأى شبحا يتقدم نحوه.
وأثناء ذلك هبت عاصفة قوية حملت معها الرمال والغبار والحصى، فأعاقت الرؤية. فما كان من (دهمان) إلا أن أغمض إحدى عينيه حتى يستطيع النظر بصورة أفضل، ورأى شبحا ثانيا، فثالثا، فرابعا. وكان أفراد دورية العدو يتجهون نحوه. ونسي في هذه اللحظة كل شيء، وانتابته موجة من الحمى فقال لنفسه:(يجب أن أصرعهم جميعا!). وأمسك بندقيته، وتنكبها، وسدد نحو الشبح الأول، وأطلق رصاصته التي مزقت العتمة، وهوى الجندي وهو يطلق صيحة الموت، وتدحرج مرتين على نفسه واستقر جثة هامدة. وخيم الصمت لثوان قليلة، بدأ بعدها صليل الأسلحة. وانطلقت رصاصات مرت من فوق رأس (دهمان) وضاعت في المرتفعات وعاد الصمت من جديد. وظهر شبح إلى جوار (دهمان) الذي لقم سلاحه وأطلق رصاصته بسرعة مذهلة، وأطلق الشبح صراخا وهو يسقط على ظهره. وجاء الرد في هذه المرة سريعا، إذ انطلقت نيران رشاش من الهضبة المقابلة، واختلطت أصوات الضجيج، وأخذت النيران تنطلق من الهضبتين المتقابلتين. وإذن فقد وقع (دهمان) بين نارين. فقرر هذا الانسحاب والوصول إلى المرتفعات حيث يمكن له بلوغ نقطة أكثر ارتفاعا من ذروتي الهضبتين، وبحيث يمكن له أيضا تكبيد العدو خسائر أكبر، حتى لا يموت رخيصا.