الاشتباك. فانسابت قطرات كبيرة من العرق على جبينه، واجتاحت كيانه نوبة من الضيق الشديد كادت تخنقه. وانطلقت صيحة من بين شفتيه. وتدحرجت قطرات من الدموع على خديه. فيما كانت الطائرة العمودية تتابع جولاتها ذهابا وإيابا مستفيدة من بقية ضوء النهار. وشعر (دهمان رمضان) بنوع من اللامبالاة، فلم يعد يهتم بما يحيط به من أخطار، لقد كانت دموعه لفقد رفيقه تدفعه نحو التهور.
...
سمع (دهمان رمضان) وهو لا زال في مكانه من الساقية، ضجيج محركات المركبات - السيارات - وهي ترتفع وتهبط حتى كأنها محاريث قوية جاءت لتقلب عالي الأرض سافلها، ولم تكن هذه المركبات بعيدة عن مكمن المجاهد (دهمان) الذي عرف بأن القوات الاستعمارية قد انتشرت في مواقعها بهدف تمشيط المنطقة. بمذراة دقيقة، الأمر الذي سيمكنها من إلقاء القبض عليه. فقال لنفسه:(يجب عدم تمكينهم من إلقاء القبض عليك حيا!) لقد كان يعرف ما تعنيه كلمة (الأسير) من تعذيب وتشويه وآلام. فتحسس سلاحه، لقد كان مخزن البارودة فارغا إلا من طلقة واحدة. وبسط يده إلى مزودته، وأفرغها، فلم يجد فيها غير ثماني طلقات، وهذا كل شيء. فأي أسلوب تعبوي - تكتيكي - يستطيع استخدامه؟. إن عليه مغادرة هذا المكان، للوصول إلى (متليلي) قبل هبوط الظلام، فإذا لم يتمكن من ذلك، فإنه لن يستطيع رؤيتها أبدا. وعليه أيضا الاقتصاد في استخدامه لذخيرته، بحيث أن كل طلقة يجب أن تصيب هدفها. وكل طلقة تصرع عدوا. ويجب الاستعداد لاستقابل الموت عندما لا تبقى إلا طلقة واحدة. وها هو جندي فرنسي يقترب