الجندي الذي كان يتقدم خلفه بجراح قاتلة، وأخذ الآخرون في القتال - قتالا تراجعيا - وهم يبتعدون متسارعين. وسع اللاجئون إلى الكهف النقاش الدائر بين جند الأعداء - باللغة الفرنسية. فعرفوا أن العدو قد اكتشف كهفهم، ولم يبق عليهم إلا الاستعداد لبذل حياتهم بثمن مرتفع، وعدم الموت ميتة رخيصة، غير أنهم لم يكتشفوا وهم في الظلمة القاتمة بأنهم قد قتلوا على غير إرادة منهم واحدا من إخوانهم.
أخذت قوات الفرنسيين في تطويق الكهف، وإحكام الحصار حوله. وقال قائد العملية معبرا عن حقده الدفين:(سيخرج هؤلاء الكلاب من جحرهم عندما ينالهم الجوع والعطش).
هيمن على الكهف صمت ثقيل بعد تلك اللحظة القصيرة من الفوضى والاضطراب. فماذا تستطيع أن تفعله هذه الحفنة من المواطنين الجزائريين في مواجهة جيش كامل؟
لم يكن لدى (أصحاب الكهف) من الأسلحة سوى مسدس رشاش، ومسدس، وبارودتين (ماس - ٣٦) وثلاثة بواريد صيد قديمة مع قليل من الذخيرة. أما بالنسبة للطعام والتموين فقد كان باستطاعتهم الاعتماد على كيس من التين المجفف، وكيسين من الشعيرية (كعك) وخمسة (بيدونات) من صفائح البترول. وكيس من الزيتون الجاف. وثلاثة صناديق من علب المحفوظات - كونسروة - مع قليل من الخبز، غير أنه لم يكن لديهم شيء من الماء. وقد أدرك هؤلاء الرجال الخطر الرهيب الذي يتهددهم، وهو الخطر الذي تصدى زعيمهم (سي الشيخ) لمجابهته عندما وقف بينهم، وقال لهم الكلمات التالية: (إخوتي الأحباء، إنكم تعرفون الموقف بكامله. فالعدو هنا، وأمامنا، في اعتقادي، ثلاثة