على مجتمعه وبين ما يلتزم به المجتمع العربي - الإسلامي من قضائل، فالقضية ليست قضية جدل أو نقاش أو حوار للتعارف وإقامة الجسور، إنما هي قضية تدمير لكل ما يمكن إقامته من جسور بين فضائل عربية إسلامية وبين تقاليد وعادات غربية وقد انتصر الغرب عسكريا، فأخذ في تحسس الطريق التي تمكنه من تحقيق انتصاراته الأخرى حتى تستقر له الأمور. وقد جاءت الأحداث المتتالية طوال ليل الاستعمار لتؤكد تلاحم الحرب الصليبية بالحرب الاستعمارية. وعلى هذا، وإذا كانت إجابات الأمير عبد القادر هي إجابات العلم والمعرفة للدفاع عن عالم الإسلام والمسلمين، لا في الجزائر وحدها، فإن الأسئلة بدورها، وإن كانت من أجل اكتساب المعرفة بالجزائر، ومجتمعها، فإنها كانت من أجل الهجوم على عالم العرب المسلمين بداية من الجزائر، ونهاية بالمشرق العربي - الإسلامي.
...
ومضى قرن من عمر الزمن على استعمار فرنسا للجزائر، ونجحت السلطات الاستعمارية في تغيير الكثير من معالم المجتمع الإسلامي الجزائري. غير أن شيئا لم تتمكن من بلوغه هو تدمير قلعة الصمود من الداخل، فقد اعتزلت المرأة المسلمة بنفسها، وتقوقعت في معقلها، متحصنة بدينها، متدرعة بإسلامها. وقد برزت هذه الظاهرة بشكلها الواضح للمجاهد التونسي المولد، والجزائري الموطن، عندما قدم الجزائر منفيا (مبعدا) سنة ١٩٢٥. فقال - بعد أن وصف فئة من الشباب الجزائري الذي انساق مع تيار الاستعمار، وما وصل إليه حالهم من السقوط والانحلال -: (أما السيدات، فلم يختلطن بمستعمر، ولم يعرفن أجنبيا، ولم يترددن على مدرسة -