منفتحا يضم كل المقومات الإنسانية. ولقد شهدت ذرى الأوراس، من عليائها، تفتح الحضارات التي تنساب على السفوح والسهول الساحلية، بداية من القرطاجيين ونهاية بالرومانيين - ثم البيزنطيين بعد انهيار روما على أيدي البرابرة الغربيين - ونجم عن هذا التفاعل بروز شخصية إنسان المغرب عامة وإنسان الجزائر منه خاصة، حيث تميزت هذه الشخصية بمرونة الإنسان البدائي وبساطته المدفوعة بالفطرة إلى التطور والتجديد والاندفاع. غير أن هذه الشخصية احتفظت أبدا باستقلاليتها، لقد كانت الجبال هي المعاقل الحقيقية التي لم تتمكن الحضارات القديمة من بلوغها، وبقيت السهول هي منطقة الاحتكاك وأداة الاتصال بين سكان البلاد الأصليين وبين موجات الحضارات المتصارعة على سفوح البحر.
في هذا المجتمع كانت المرأة تتمتع بالاحترام والتقدير، وتحظى بالرعاية، مسموعة الكلمة، قوية الشخصية، ولعل كل ذلك، هو الذي جعلها القاعدة القوية لخلية المجتمع الأساسية (الأسرة). في هذا المجتمع، الذي تهيمن عليه القوة والمثل العليا، وتبرز فيه قيمة الحرية وتعشقها، كانت المرأة تبعث الحياة، وتشارك في كل صغيرة وكبيرة. فكان ركوبها للخيل ومشاركتها في الزراعة والحرب أمرا طبيعيا مثل عنايتها بطفلها. ولتكون الصورة التي حفظها التاريخ لمكانة المرأة أكثر وضوحا، خلال تلك الحقبة التاريخية، يمكن تذكر (الكاهنة) التي تربعت على عرش الجزائر من دون الرجال. ويمكن اعتبار التعرض لسيرة من هذا النوع دليلا على ما كانت عليه المرأة الجزائرية القديمة من القدرة والكفاءة، وليس ذلك فحسب بل إنه دليل أيضا على ما كانت تحظى به المرأة من المكانة حتى أن مجتمعها القبلي ملكها عليه، وحكمها في الوطن