والرقاب والأموال. ولم تكن لهذه المرأة القائدة ميزة الشجاعة والبطولة فحسب، بل كانت تعمل بفكرها الثاقب أيضا، وموقفها من الفتح الإسلامي خير دليل على ذلك، فقد تصدت الكاهنة لقوات المسلمين بحزم وشجاعة. واستطاعت إلحاق الهزيمة بهم إذ اعتبرتهم موجة من موجات الغزاة، ثم تعرفت على الإسلام والمسلمين من خلال (خالد بن يزيد) الذي تبنته وجعلته كواحد من أبنائها. وعندما عاد (الحسان بن النعمان) لاستئناف الفتح (سنة ٨١ للهجرة) وعرفت الكاهنة أنه لا قبل لها بمقاومة جحافل المسلمين، ولا قدرة لها على مقاومة التطور الذي يحمله الإسلام، دفعت بابنيها مع (خالد بن يزيد) للالتحاق بجيوش المسلمين. ورفضت الفرار، حتى لا تحمل عار الهزيمة، وخاضت المعركة في سفوح الأوراس وهي مقتنعة بخسارة المعركة مسبقا. ولقيت مصرعها (عند بئر الكاهنة) تاركة للمجتمع الإسلامي القدرة على النهوض والارتقاء، فكان مصرعها هو نقطة الالتقاء بين عالمي (الجاهلية والإسلام) فوق الثرى الجزائري. وكانت مقاومة الكاهنة شبيهة بمقاومة (هند بنت عتبة). غير أن الأولى لم تستطع التكيف مع المجتمع الجديد، في حين ارتضت الثانية لنفسها الإسلام دينا.
وقام المجتمع الاسلامي في المغرب العربي - الإسلامي وفي الأندلس، واحتفظت المرأة المسلمة (عربية وبربرية) بكل الفضائل التي تضمنها الإسلام، وأصبحت هي القاعدة الصلبة التي توحد ولا تفرق، تجمع ولا تبدد، في الأخوة لله ودينه، وانصهر هذا المجتمع تحت راية الجهاد في سبيل الله، وأصبحت قيم المجتمع وفضائله راسخة الجذور في المجتمع المتكامل. وكانت عملية الربط بين الدين الإسلامي وبين الجهاد في سبيله إرثا ثابتا تتناقله الأجيال عبر