ولكن مع بعض التطور. لقد بقيت المرأة الجزائرية صامدة صابرة على البلاء، مقتدية بسيرة خولة وهند وسلمة في الحروب والمعارك، غير أن طبيعة المعركة تغيرت وأسلوبها تبدل وسلاحها تطور. وكذلك تطور (أسلوب الرجز في الحرب). فحلت الزغاريد - اليويو - وكان الرجز التقليدي. وكانت هذه الزغاريد - سلاحا حير الاستعماريين وأرهب جنودهم. ولم تفت صحيفة (لوموند الفرنسية) الإشارة إلى غيظ جند الاستعمار وعجزهم أمام صرخات (اليويو) الداوية تطلقها (فاطمات هستيريات).
إنها لظاهرة مذهلة! كيف يمكن للتغريد الشعبي - الفولكلوري - في حناجر المسلمات الجزائريات أن يحطم أعصاب المرتزقة محترفي القتل، ويشعل نار الغضب وكراهية المرأة في قلوب الضباط المتخرجين من كلية الحرب (سان سير)؟.
كانت (اليويو) قبل الثورة صيحة فرح تطلقها المغربيات المسلمات في الحفلات التقليدية: في الخطبة والعرس والولادة والختان والعودة من الحج، الخ ... ثم صارت الهتافات المعبرة عن الفرح نادرة في سنة ١٩٥٥. ثم اختفت نهائيا من الحياة الاجتماعية الجزائرية باختفاء كل مظهر من مظاهر المرح واللهو اختفاء عفويا، تلقائيا، ابتداء من الغناء ومرورا بالرقص الشعبي ونهاية بالموسيقى وعزف الناي وقرع الطبول. ولم يكن ذلك بوحي من (سوق عكاظ جبهة التحرير الوطني). إن ما أوحى بالرقابة الذاتية هي الحشمة وحدها. هذا الشعور بالحياء الذي يمتزج في الإنسان بخوفه من احتقار نفسه إذا هو أظهر فرحه الأناني، والتعبير الصامت عن التحسس العميق بأحزان الأمة. لقد ابتلعت المآسي والأحزان كافة ظواهر الفرح.