(عقيلة) تبكي فتنساب منها الدموع لتتوقف على الخدين، كما يتوقف ندى الصباح على أزرار الورد في بدء تفتحها. وكانت يداها وقدماها مكتنزتين باعتدال وكذلك ساقيها الرشيقتين. مما كان يشكل مع قوامها الأهيف، الرشيق، وصدرها البارز، لوحة تمثل كل ملامح الأنوثة الطاغية. ولم يكن ذلك كله ليغيب عن أنظار الجنود الإفرنسيين والجنود الحركيين، فيثير فيهم الغرائز الوحشية الشريرة. وشعرت (عقيلة) بذلك، فأهملت نفسها طوعا، وامتنعت عن النظافة والاغتسال، وقررت عدم استبدال ثيابها القذرة. فباتت ذات رائحة منفرة لا تستثير إلا عواطف الاشمئزاز.
انصرفت (عقيلة) إلى العمل، تفرق همومها فيه، وتلاحقت لياليها المسهدة البيضاء، بعضها يمسك برقاب بعض، وتتابعت عليها الكوابيس تتصل بعضها ببعض، فكانت أقل ضجة تثير فيها الرعشة، وأية صرخة أو طلقة نار تقلب كيانها رأسا على عقب.
هكذا عاشت (عقيلة) فترة متطاولة من المعاناة، تشاركها همومها أمها العجوز، المضطربة العقل، لما انتابها من الهموم. وكانت (عقيلة) تمضي لياليها في نسج الصوف، وكثيرا ما توقفت عن عملها، وهي مستغرقة فيه، بسبب اقتحام دورية من رجال (س. آ. س) أو (الاستخبارات) باب منزلها، بصورة مباغتة (فقد أرغمت على ترك باب المنزل مفتوحا، وعدم إغلاقه واقفاله بالمفتاح). وعندئذ تبدأ عملية استجوابها بالأسئلة المعروفة وغير المعروفة من كل نوع: هل أقبل زوجها لرؤيتها؟ هل تعرف مركز إقامته؟ الخ .. وهددوها، ثم أخذوا في إزعاجها، وكثيرا ما حاولوا التغرير بها وخداعها غير أنهم كانوا ينصرفون من غير أن يظفروا منها بما يريدون. غير أنهم لا يلبثون طويلا حتى يعودوا، وبمعدل أربعة