كعادتهم لتعذيب (عقيلة) وإزعاجها. فاتجه اليهم، وربت رجل على رأسه، وأمره بفتح الباب من الداخل. وتملك الخوف الفتى الشاب من أن يسقط صريعا، ولم يتمكن من رفض تنفيذ ما طلب إليه تنفيذه. ومضت ثوان قليلة، وانفتح الباب على مصراعيه. واقتحم الرجال المنزل تاركين للشابة (عقيلة) الشعور بأنهم من رجال (المكتب الثاني) أو (س. أ. س). وقد جاؤوا لإلقاء القبض عليها واعتقالها. وكانت الظلمة قاتمة بحيث كان من الصعب على المرء رؤية ما هو أبعد من خطوتين عن مكانه. وبوغتت (عقيلة) بقدر ما بوغتت أمها من هذا الاقتحام لمنزلها بمثل هذه القوة، فشرعتا في العويل والصراخ بكل ما تملكانه من القوة. وأخذ الرجال (عقيلة) وسحبوها الى خارج المنزل، واقتادوها إلى حيث ينتظرها (سي الأخضر) ورجاله.
لم تفهم (عقيلة) لعبة الخداع (ولم تكن لديها القدرة على فهمها وإدراكها) وظنت كعادتها أن مختطفينها من الإفرنسيين، فأرسلت صرخات حادة تفتت الأكباد. واستمرت في الصراع كاللبوءة وهي بين يدي مختطفيها محاولة الإفلات من قبضتهم، هذا فيما استمر الرجال على صمتهم ولا ينبس أحدهم ببنت شفة. وأيقظت صرخات (عقيلة) سكان القرية كلها، وظن هؤلاء بدورهم أن (الحركيين) قد جاؤوا لاعتقال البائسة (عقيلة). ولم يكن باستطاعة أحد منهم التدخل، فكلهم يعانون من هذا الضيق، وكلهم يعيشون مع هذا الكابوس المرعب. ولو أن (صرخات عقيلة تركت في أعماق النفوس أثرا لا يمحى) وفقا لما ذكرته (الممرضة رتيبة) التي كانت تعمل في المركز الطبي. وتمكنت (عقيلة) من الافلات من قبضة مختطفيها، وأسرعت الى منزل مجاور لمنزلها حيث