لقد كان كل شيء منظما بدقة، ومر كل شيء بسرعة، ومن غير مجابهة أي عقبة، كانت (عقيلة) تمارس عملها العادي في حياكة نسج - الصوف، وذلك على الرغم من شعورها بحاجتها الشديدة للنوم. وجاءت أصداء الطلقات وصوت انفجار القنبلة واقتراب وقع خيول الفرسان من منزلها، فأثارت في نفسها كل المخاوف، وأخرجت من ذاكرتها كل صور الكوابيس والهواجس التي كانت تنتابها. ولم يساورها الشك أبدا أن ذلك من فعل دورية من دوريات العدو، أو (الحركيين). فتوقفت عن العمل، واكتسى وجهها شحوبا لا يشابهه إلا شحوب وجوه الموتى، وأصاخت السمع ... ومرت عليها وهي على هذه الحالة دقائق قليلة خيل إليها أنها قرون طويلة لا تكاد تنتهي. لم تتحرك أبدا، لأن الخوف شل قدرتها على الحركة، فثبتها على الأرض، ومنعها من القيام بأية إيماءة، كان نفسها يتردد بصعوبة، كما لو أن التنفس العميق يفضحها أو يخونها ليكشف عما يعتمل في صدرها الذي بات يتقلص بشدة حتى كاد يخنقها ... الانتظار ولا شيء غير الانتظار ... في توقع الرعب.
ولم يكن الشك يراود (عقيلة) أبدا في أن تلك الليلة ستكون بالنسبة لها (ليلة المصير). إن خط سير حياتها يجب أن يتغير، يجب أن ينتهي الخوف من الجنود الأعداء، وسينتهي معه التحقيق والاستجواب، وما يرافقه من ضربات وإهانات وبؤس وشقاء طالما نزل بساحتها وأصاب أمها العجوز، سينتهي كل ذلك.
وصل المجاهدون، وتوقفوا أمام منزل (عقيلة). وظهر مصادفة شاب يافع غير بعيد عن المكان، فاستجوبوه. ولم يعرف الشاب الفتى أبدا أن هؤلاء الذين يستجوبونه هم مجاهدي (سي الأخضر). وظن أنهم من الحركيين (رجال الحركة) جاؤوا