الليلة الخالدة التي ستبقى ذكراها ماثلة أبدا في أذهان أهل قرية (زموره)، هكذا في الحوليات التاريخية للقرية، اتخذ الرجال قرارهم، وأقدموا على اقتحام الخطر الداهم واتجهوا نحو المنزل الذي تقيم فيه (عقيلة).
كانت الليلة مظلمة كمداد الحبر الأسود، أو كدخان الحريق - الشحار -. وكانت الريح تعصف بقوة غير معهودة حتى أنها اقتلعت ألواح التوتياء التي تغطي سقوف المنازل وقذفت بها كما تقذف الرياح أوراق الأشجار الميتة في فصل الخريف. وبلغت شدة الريح من القوة مبلغا كادت معه تقتلع الأبواب الخشبية من جدران المنازل؛ غير أن المجاهدين، انطلقوا لتنفيذ مهمتهم كما هي عادتهم، في تلك الليلة، غير عابئين بما حولهم، ذلك أنهم رجال (سي الأخضر). رجال الجبال والريح والطبيعة القاسية، وها هم يمضون إلى
هدفهم، ولا يهمهم شيء إلا تحقيق النجاح في تنفيذ مهمتهم. ولدى اقترابهم من المنزل، أطلقوا بعض الرصاصات في الريح، وقذفوا قنبلة يدوية في الفضاء، بهدف خداع قوات الافرنسيين ودورياتهم من جهة، ولاقناع القرويين بأن هذه القوة تقوم بدورية من الدوريات العادية التي يقوم بها (الروم).
وصلت أصداء الطلقات وصوت انفجار القنبلة إلى رجال (المكتب الثاني) ورجال (س. آ. س) غير أن أحدا لم يحرك ساكنا لاعتقاد كل طرف من الطرفين أن الآخر هو الذي قام بذلك، على نحو ما جرت عليه العادة، بهدف إيقاظ انتباه القوات العسكرية المقيمة في الثكنة، وإدخال الذعر إلى نفوس القرويين وإقناعهم بالعدول عن أية محاولة (لتعكير الأمن والنظام) الذي حرصوا على إقامته