- أجل، لقد أفزعتنا. وعندئذ قلت لهما: حسنا، تحدثا بصوت ناعم حتى لا يستفيق أخوكما الصغير من نومه وأثناء هذا الاضطراب، سقطت من يد (البنات) صورة، سارعت لالتقاطها وتأملتها طويلا، فانقلب كياني رأسا على عقب.
كانت الصورة تحمل خلفها الكتابة التالية:(فضيلة: ٢٧ تشرين الثاني - نوفمبر - ١٩٥٦) وكانت هذه الصورة جانبية (بروفيل) التقطت لفضيلة أثناء فترة اعتقالها.
وسألت فضيلة بكثير من الفضول الطبيعي: لمن هذه الصورة يا أماه؟
غير أنها لم تنتظر الإجابة، بل راحت تبحث بنظرها عبر الصور المتناثرة فوق السرير. في حين كانت أصابعي تتشبث بالصورة خوفا من سقوطها مرة أخرى - وقلت: -
يا فضيلة! هذه هي صورة فضيلة!
وزلقت يدي إلى جيب مئزري، ووضعت فيها الصورة، وتراجعت مترنحة، وتركت نفسي أهوي على مقعد كان موجودا هناك. وهيمن علي حزن عميق ومباغت، في حين كانت بناتي مشغولات عني باكتشافاتهن، حتى أنهن لم يشعرن بما أنا فيه، بل ربما نسين وجودي بينهن. وقلت في سري:
- فضيلة! كنت زهرة عمرها ١٨ ربيعا! (لقد كنت من مواليد ١٠ نيسان - أفريل - ١٩٣٨، وكان مسقط رأسك في الحروش (من نواحي سكيكيدة). كنت صبية في مقتبل العمر على كل حال.
لقد مضى زمن غير قصير على غيابك، غير أنني أشعركم أني لصيقة بك، كأن الأيام لم تباعد بيننا. إنك قريبة مني إلى درجة لا أستطيع تصديقها، إنك لا زلت حية ... كم كنت نضرة، وكم كنت