قوية، فضيلة! أنت بعينيك الضاحكتين أبدا، وبابتسامتك الساحرة الأخاذة. وما أحلى مناجاتك. وبدأ شريط الذكريات يتدفق متسارعا:
هبطت (فضيلة) ذات صباح من معاقل (الثوار) وبرفقتها أخوها في السلاح (عمر كيخيا). وسلكت في طريقها الدرب الذي ينتهي بالقرب من (مدينة البير) حيث كان عليها أن تأتي لزيارتنا بعد ذلك، وكانت تتقدم وأخوها في السلاح بحذر، ولكن كم كان أمرا مباغتا أن يقفا وجها لوجه مع دورية فرنسية، وقد أمسك أفرادها بمسدساتهم الرشاشة، وهم على أتم استعداد لإطلاق النار عند الاشتباه بأية حركة غير طبيعية في وسط المارة. وعلى الرغم من أن الوقت لا زال مبكرا فقد كان هناك عدد من السابلة.
فهل سقط الاثنان ضحية الرعب؟ وهل كانا يحملان وثائق سرية وأسلحة هامة على نحو ما يفعلانه في كل مرة كانا يهبطان فيها من الجبل؟ لا هذا، ولا ذاك، وكل ما فعلاه هو أنهما ركضا بسرعة جنونية، واقتحما منطقة الأبنية القديمة. ثم افترق الشابان المناضلان، ليبحث كل واحد منهما عن ملجأ ينجيه، وهما يعرضان حياتهما بتصميم وشجاعة لكل ما تخبئه مباغتات القدر، ولكل ما قد يقوم به جند العدو. غير أن هذه المواجهة المباغتة وغير المتوقعة للبطلين، لم تكن لتمر من غير أن تسترعي انتباه رجال الدورية الآلية - المتحركة - والتي كان رجالها مشدودي الأعصاب دائما: فأطلقوا النار فورا ومن غير تردد على الهاربين، وانهمر الرصاص على طريق الفرار، وأصابت إحدى الرصاصات كتف (عمر) فتركته يعاني من الآلام المبرحة طوال شهرين كاملين، مع اضطراره للبقاء في الملاجىء السرية تحت العناية الطبية، وكان مما زاد من آلامه