سقطت مملكة غرناطة تحت حكم (فرديناند وإيزابيللا) سنة ١٤٩٢، غير أنه كان من المحال القضاء على الوجود الإسلامي في الأندلس دفعة واحدة. وفي الوقت ذاته أدت الحرب المنظمة ضد المسلمين إلى تعرض إسبانيا لأزمة حادة في إدارتها، وإلى اضطراب في أمورها المالية حتى أشرفت على الإفلاس. فالتفتت إلى الفتح، وظنت أن نهب العالم الجديد سيضمن لها الموارد الكافية، غير أن القرصنة الإسلامية من جهة والمنافسة مع الدول الغربية من جهة ثانية حرمتا إسبانيا من هذه الموارد. وزاد موقف إسبانيا سوءا بسبب المظالم وحكم الإرهاب وارتكاب الفظائع ضد المسلمين - تحت إدارة محاكم التفتيش - وبإدارة الملك الإسباني فيليب الثاني (١٥٢٧ - ١٥٩٨ م) الذي ورث عن أبيه (شارل الخامس - شارلكان) كل الحقد والكراهية ضد المسلمين، فجمع في شخصه كل الصفات السيئة كالظلم والشراسة وفساد الأخلاق، حتى استوجب وصف أحد المؤرخين له:(قليل من الرجال الذين عرفهم التاريخ، قد استطاعوا بجهودهم الخاصة، أن يأتوا بمثل هذا المقدار الضخم من الشر الذي جاء به هذا الملك ... وإذا كانت هناك عيوب قد برىء منها، فسبب ذلك هو أنه غير مسموح للطبيعة الإنسانية بأن تبلغ الكمال، حتى في الشر)(١).
(١) حرب الثلاثمائة سنة - أحمد توفيق المدني - ص ٣٩٢.