للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهي تبتلى بعد ذلك بابنتها (فضيلة). لقد باتت أما لشهيدتين على التتابع! ولم يبق لها في هذه الدنيا إلا ابنتها الثالثة (عزيزة) وهي ابنتها البكر، فكانت تضع رأسها على كتفي ابنتها وعلى صدرها، ما بين فترة وأخرى، وتبكي بحرقة، لعلها تتنسم في صدر ابنتها ريح أختيها، وتتشبث بها بكل ما بقي لديها من قوة، ولعلها كانت تخشى أن تفقد أيضا ما بقي لها من عون ومن أمل في هذه الحياة.

ومضت أسابيع،

وجاءت ليلة تحمل معها آلام المخاض، وشعرت بالقلق ينتابني في بداية الأمر، واشتد الالم فأخذت أتعجل طلوع النهار. كان البيت هادئا، ساكنا. وتحسست الجدران في الغرفة نصف المظلمة، وأنا أفكر في كل شيء، إلا فيما أنا فيه، غير أن نوبة من الألم زادت في شدتها على كل ما سبقها حملتني على القفز من سريري. يجب استدعاء سيارة الإسعاف. غير أن أمر منع التجول، حظر تحرك أية مركبة أو آلية في الليل - حتى سيارات الإسعاف - فحملني أهلي إلى المستشفى التي وضعت فيها ابنتاي من قبل. وقالت لي ممرضة كنت أعرفها إنك ستضعين لنا في هذه المرة صبيا ... ومضت فترة قصيرة، وضعت بعدها بنتا - إنها ابنتي الثالثة وسمعتهم يتحدثون من حولي:

- سنطلق عليها اسم (فضيلة). واتفق على ذلك زوجي وأهلي والجميع، من غير اعتراض أو مناقشة، لقد أحبوا أن يبقى اسم (فضيلة) حيا بيننا. أما أنا، فلم أحاول إتاحة الفرصة أمامهم لأخذ رأيي في الموضوع. وأخذت ابنتي، وضممتها إلى صدري. لقد استشهدت (فضيلة) يوم ١٨ حزيران - جوان - ١٩٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>