للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مكانا رحبا لنا إلى جوارهن. لم تكن لدينا القوة للتحدث إليهن، فقد انتابني إرهاق مرعب لكثرة السهاد والأرق، فرحت في نوم عميق في الهواء الطلق، لا جنود أمامنا للحراسة، ولا أنين المعذبين، ولا صراخ السجانين وعويلهم.

كان المعسكر لصمته وهدوئه يبدو مهجورا، غير أنني لم أجد الرغبة في طرح الأسئلة، كل ما يهمني هو الاستغراق في النوم للمرة الأولى، بعد طول السهاد الذي لازمني منذ اعتقالي. بذلك بدأت حياتنا في المعسكر، وأمضينا الأيام الأولى في غرفتنا، وكان كل ما يشغلنا من هموم هو التفكير بمصيرنا. ولم يكن يهمنا أبدا النظر في شروطنا الحياتية، إذ لم نكن نتوقع ما هو أفضل: كنا ننام على

الأرض، في غرفتنا التي لا زجاج لها على النوافذ، ونكتفي بالوجبة الوحيدة التي يقدمونها لنا في اليوم، وهي ثابتة على الأغلب ولا تتغير (سردين بالزيت). وشرعت كل واحدة في رواية ما تعرضت له من تعذيب، وهي تظهر الآثار المختلفة التي تركها التعذيب على جسدها. كانت (وردة) أما لثمانية أطفال، وأرملة، قتل الإفرنسيون زوجها منذ شهر، وتركت في لحظة اعتقالها أحد أبنائها مريضا، راقدا في فراشه. وتعرضت لكل أنواع التعذيب (التيار الكهربائي، نفخ المعدة بالماء، البقاء في الحمام تحت الماء المتساقط - الدوش - الخ ..). وعرضت علينا أثداءها وقد تلونا باللون الأسود بسبب التيار الكهربائي. وقد صدمتني نظراتها الشاردة. كانت تتلجلج وهي تبكي بحرقة عندما تتحدث عن أبنائها الذين تركتهم وحدهم، وتتساءل: ترى من سيطعمهم؟.

كانت المعتقلة الثانية (واسمها ليلى) فتاة في الثانية والعشرين من عمرها. ذات شعر كستنائي، ومزاج معتدل. وقد حاولت الترفيهمكانا رحبا لنا إلى جوارهن. لم تكن لدينا القوة للتحدث إليهن، فقد انتابني إرهاق مرعب لكثرة السهاد والأرق، فرحت في نوم عميق في الهواء الطلق، لا جنود أمامنا للحراسة، ولا أنين المعذبين، ولا صراخ السجانين وعويلهم.

كان المعسكر لصمته وهدوئه يبدو مهجورا، غير أنني لم أجد الرغبة في طرح الأسئلة، كل ما يهمني هو الاستغراق في النوم للمرة الأولى، بعد طول السهاد الذي لازمني منذ اعتقالي. بذلك بدأت حياتنا في المعسكر، وأمضينا الأيام الأولى في غرفتنا، وكان كل ما يشغلنا من هموم هو التفكير بمصيرنا. ولم يكن يهمنا أبدا النظر في شروطنا الحياتية، إذ لم نكن نتوقع ما هو أفضل: كنا ننام على

الأرض، في غرفتنا التي لا زجاج لها على النوافذ، ونكتفي بالوجبة الوحيدة التي يقدمونها لنا في اليوم، وهي ثابتة على الأغلب ولا تتغير (سردين بالزيت). وشرعت كل واحدة في رواية ما تعرضت له من تعذيب، وهي تظهر الآثار المختلفة التي تركها التعذيب على جسدها. كانت (وردة) أما لثمانية أطفال، وأرملة، قتل الإفرنسيون زوجها منذ شهر، وتركت في لحظة اعتقالها أحد أبنائها مريضا، راقدا في فراشه. وتعرضت لكل أنواع التعذيب (التيار الكهربائي، نفخ المعدة بالماء، البقاء في الحمام تحت الماء المتساقط - الدوش - الخ ..). وعرضت علينا أثداءها وقد تلونا باللون الأسود بسبب التيار الكهربائي. وقد صدمتني نظراتها الشاردة. كانت تتلجلج وهي تبكي بحرقة عندما تتحدث عن أبنائها الذين تركتهم وحدهم، وتتساءل: ترى من سيطعمهم؟.

كانت المعتقلة الثانية (واسمها ليلى) فتاة في الثانية والعشرين من عمرها. ذات شعر كستنائي، ومزاج معتدل. وقد حاولت الترفيه

<<  <  ج: ص:  >  >>