عنا قدر استطاعتها، فذكرت لنا قصة ما تعرضت له من التعذيب بالحركات وبصورة تفصيلية، وهي أثناء ذلك تتحدث بأسلوب ساخر، فتسخر من نفسها قبل أن تسخر من غيرها أثناء تقليدها لجلاديها بلغة فرنسية مسحوقة. وقالت لنا كيف صعد الجنود على بطنها لإفراغ الماء الذي يملأ معدتها، وكيف غمروا رأسها بماء المغسلة.
وكانت المرأة العجوز التي صعدت معنا في عربة النقل الكبيرة مصابة بمرض (الربو) فكانت تتنفس بصوت مسموع. وقد عذبوها مستخدمين التيار الكهربائي، في جملة ما استخدموه، بهدف حملها على الاعتراف بمكان ابنها وأين يختبىء، وباتت بعد التعذيب وقد فقدت الإحساس بذراعها اليمنى. ولاحظت على ذراعي أيضا وجود عدد من النقاط الصغيرة، ولكن بكمية كبيرة، ذات لون كستنائي، وكأنها بقع من الصدأ، لازمتني عشرات الأيام، أما المرأتين الباقيتين فقد تم تعذيبهما في مراكز أخرى من الجزائر، وما أكثرها، سنعرف شيئا عنها عن طريق بقية المعتقلين.
...
كانت نافذة غرفتنا تطل على الساحة التي لم نكن نرى فيها أحدا من الرجال، غير أن الهواء كان يحمل إلينا في النهار أصوات أنات عميقة، تتزايد وضوحا في الليل. وكان يقتحم علينا غرفتنا ما بين فتره وأخرى أحد رجال المظليين، بهدف إثارة الرعب في نفوسنا، والعبث أو اللهو على حساب انفعالاتنا، فيقص علينا أنه ذاهب (لطبخ) أحد المعتقلين، وأنه (بيده، سيفتتح ثغرة في المعتقل تتسع لتدوير مقبض - مانيفيل) ثم يسأل: (هل عذبكم أحد هنا بهذه الطريقة؟) وهو لم يجب أبدا على هذا السؤال وما يبغي منه، فكان