للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتركنا في حالة من الرعب الدائم.

كان المعسكر الفسيح جدا يمتد من أمامنا، إنه مجموعة من الأبنية القديمة من التوتياء، أقامها الأمريكيون في سنة ١٩٤٥ لتمركز جنودهم، ثم أنشئت مدرسة في قسم من المعسكر بعدئذ. وكانت هذه الأبنية تتكون من (٦) الى (٨) أبنية نصف دائرية مدهونة بالكلس - الجير - وهي تصطف على كل طرف من أطراف الساحة المستطيلة، بطول مائة متر تقريبا. وقد ضمت هذه الأبنية عدد كبير من المعتقلين. وكان هناك رقيب مظلي يسجل الداخلين إلى غرفتنا. وكنا نراهم وهم يمرون من أمام مكتبه، ليستودعوا عنده أوراقهم الشخصية (الهويات) وكل ما يمتلكونه، وكان الرقيب يضع ذلك كله في مغلفات من الكرتون (الورق المقوى) وكان عدد هذه المغلفات كبير جدا.

...

دخلت علينا في ليلة من الليالي مجموعة من خمسة نسوة، جاؤوا بهن من (مدرسة سارويا) وعن طريقهن عرفنا أسماء الذين كانوا يقومون بتعذيبنا. وكنا نردد هذه الأسماء في كل مساء حتى لا ننساها. وقد أخذ عددنا يتزايد شيئا فشيئا. فحجزونا في غرفة خصصت للنساء اللواتي بلغ عددهن (في نهاية شهر أوت - آب) أربعين امرأة. وأصبحنا نتجمع بمجموعات متجانسة، وغالبا ما كانت النساء المتقدمات في العمر يجلسن بعضهن إلى بعض، تاركات للصبايا الصاخبات حرية الحركة في الغرقة. وكانت الفتاة (ف) تثير فينا الضحك، بحيويتها المتدفقة، وبما تمتلكه من ذكاء حاد، فتقص علينا الحكايات والنوادر مما سمعته في (المركز) ومما كان يتناقله (المعتقلون) ومنها حكاية ذلك الشجاع من قدامى

<<  <  ج: ص:  >  >>