للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنا، فأضع قطعا من الورق المقوى - الكرتون - بين الروابط لالصاقها على الجسم حتى لا تتحرك فتترك أثرا في الجسم).

كان هناك رقيب جزائري (اسمه س) يعمل ممرضا، وقد اعتقل معنا، فكان يقوم بكل الأعمال للعناية بالمرضى المعتقلين. أما الرقيب الممرض المظلي، فكان يأتي للثرثرة معنا، والتسلية بنا. وبقي (س) يعيش في المستوصف، للعناية بأمر اثني عشر مريضا، كلهم مصابون بأمراض خطرة، وقد ترك كل واحد منهم على الأرض، فوق غطاء، وكانت حالتهم تتطلب عناية مستمرة، ورعاية طبية خاصة وكنا عندما نكنس الساحة وننظفها، نستطيع الاقتراب لنشهد سبب صراخهم الحاد لشدة ما بهم من الألم.

كانوا ممددين أرضا، وهزالهم الشديد يفضح المرحلة التي وصلوا إليها في مرض (التدرن الرئوي). وعيونهم ملتهبة بالحمى، يحيط بهم البصاق. وهنا قدم مسودة ومنتفخة إلى درجة لا يمكن قياسها. وهناك، يجلس رجل في زاوية، يتنفس بصعوبة وقد جحظت عيناه، وجمدت نظراته. كان أنين الأجساد يتصاعد من كل مكان في الغرفة - المستوصف -. وعلى مقربة من المدخل، وضعت طاولة عليها كومة من المواد الطبية: كحول، وميكروكروم، واسبرين، وكينين، غير أنه لم يكن هناك شيء من المضادات الحيوية (أنتيبيوتيك). وكان الممرض (س) يحرص على الاقتصاد في الكحول والأربطة، فلا يعمل على توزيعها إلا عند الضرورة. وكان المعتقلون يصطفون خارجا بانتظار إدخالهم واحدا بعد الآخر، حيث يعرضون على الطبيب جراحهم التي كانت بصورة عامة مركزة على أعضاء الجسم: وجوه منتفخة، ولثث ملتهبة متورمة، بعضهم يمشي بصعوبة قصوى بسبب ما أصاب

<<  <  ج: ص:  >  >>