للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتشويه في أجسادنا أن تخف وتزول حتى لا تكشف عن سوء المعاملة التي تعرضنا لها، وحتى لا تفضح أساليب التحقيق الوحشية التي عشناها. هذا هو (معسكر الترفيه) الذي احتجزنا فيه ونحن في عزلة تامة عن العالم الخارجي، ومن غير اتصال، أو أخبار، عن عائلاتنا التي اعتبرتنا بحكم المفقودين. على هذا عشنا أشهرا طويلة من الشك القاتل، والمعاملة الوحشية. وكان عزاؤنا في هذه الحياة المشتركة، أننا نعيش جميعا آلاما واحدة، ونمر جميعا بتجربة واحدة، نتعرض لما نتعرض له من أجل قضية نبيلة واحدة، ومثل أعلى واحد.

أقيم المستوصف في غرفة صغيرة من إحدى الغرف الواقعة في مواجهة مهجعنا، فكنا نرى من وراء القضبان الحديدية للنافذة، عددا من المرضى لا يقل عن الخمسين يوميا، وقد التصقوا على الجدار، واستندوا إليه، بانتظار دورهم في المعالجة، كنا نراهم في كل يوم وهم يعرجون، وبعضهم لا يستطيعون السير فيقعدون أرضا، تحت أشعة الشمس الحارقة، حتى يأتيهم من المعتقلين من يستطيع حملهم أو مساعدتهم على السير. وكانت أيديهم ورسغ أقدامهم مصطبغة بلون أحمر يكشف عن بقع كالوشم، ترك التعذيب بالكهرباء أثرا واضحا عليها. وكانت هذه الظاهرة تذهلنا، وتحيرنا. فنتساءل: (لماذا يحملون جميعا هذا الأثر على الرسغ، رسغ القدم بالذات، دون غيره من أعضاء الجسم؟) وأمكن لنا الحصول على تفسير هذه الظاهرة: (إن الروابط تخترق عميقا في اللحم، بسبب الاهتزازات الكهربائية، فتتقيح الجروح، ويضطرون إلى طلائها بالميكروكروم). وقال لنا الرقيب المظلي الذي قدم لنا هذا التفسير: (إنهم لا يتقنون ممارسة عملهم أما

<<  <  ج: ص:  >  >>