للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان يرافق الممرض في جولاته أحيانا، غير أنه كثيرا ما كان يتردد علينا، إذ كان لدينا مرضانا أيضا من النساء. فهذه فتاة شابة متزوجة، لم تتجاوز التاسعه عشرة من عمرها، حاملا في الشهر الثالث، وعلى حلم ثدييها وعانتها حروق من التيار الكهربائي، وهي تتبول دما. وتلك سيدة نحيلة (هـ) لها من العمر أربعين عاما، ذات بشرة سوداء فاحمة، تعرج على قدمها، ومريضة بالربو، وتلك أيضا السيدة (آ. ت) المصابة بمرض القلب الخ ... وكنا نتناقش معه طويلا في وضع مرضانا، فكان يقول: (ماذا تريدون مني أن أفعل؟ ليس هناك أدوية، ولا شيء، ثم يشير إلى ذقن الممرض وهو يتابع قوله، وعلى كل حال، فإنهم سيموتون جوعا ومرضا. كان لزاما وضعهم في المستشفيات بصورة طبيعية لأن حالتهم تتطلب عناية من نوع آخر، وهذا أمر واضح جدا).

اتخذنا الترتيبات لإرسال الحلوى والمربيات والحليب والخبز إلى المرضى الذين اشتد عليهم الداء، وأمكن تأمين شراء هذه المواد سرا من الخارج. وفي إحدى الأمسيات، كلفت (ك) بكنس وتنظيف الساحة - أمام المستوصف - وعادت من تنفيذ مهمتها مهتاجة جدا لتقول لنا: (أتعرفون من يوجد في الأسفل، وبحالة حزينة تثير الشفقة؟ إنه الصائغ - الجواهري - مصطفى الذي يمتلك دكانا في شارع بوتان! لقد عرفني، يا له من فتى شجاع؟ ويا له من بائس؟ سنرسل له غدا بعض الطعام). ولما كان البعض منا يقيمون في هذا الحي، ويعرفون جيدا هذه الناحية، فقد عرفوه. وقالوا إنه شاب لا يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره، متزوج وأب لطفلتين صغيرتين، مستقيم في تعامله مع الناس، ولهذا يحترمه الجميع ويقدرونه. وفي اليوم التالي، استطاعت اثنتان منا رؤيته والتحدث

<<  <  ج: ص:  >  >>